مجموعة العشرين.. وعشرون هزيمة أمريكية
كان من نصيب قمة مجموعة العشرين الأخير، كاجتماع دولي، حصد ثمار كُل جولة التصعيد الأمريكي السابق كله، والمُترافق مع هزائمها وتراجعها، نحو وضعٍ أفضل في ميزان القوى الدولية لصالح الشرق.
لكن على الرغم من كُل الإيجابيات الناجمة عن القمة، بما فيها التفاهمات والتوافقات والتنازلات وغيرها والتي تُروّج إعلامياً كأنّ السلام ابتدأ وحلّ منها، إلا أنّ كل ذلك مؤقت، حاله كحال التصعيد والتوتر الأسبق منه، حيث مهماز الحركة ومُحددها بين تصعيد وتخفيض، هو حالة الانقسام داخل الإدارة الأمريكية بين تيارين، تارة تنشط خطة أحدهم وتارة يطغى الآخر، حسب التوازنات وتطورها لحظياً في داخل واشنطن... مع استمرار الميل العام للولايات الأمريكية المتحدة بالهبوط.
أمريكا- الصين
من أهم التطورات يُذكر: رفع الحظر عن شركة «هواوي» الصينية، ورفع جزء من العقوبات الأمريكية عن الصين، والتي تعني تخفيضاً في الحرب التجارية عموماً، إضافة إلى استئناف المحادثات التجارية بلا فرض رسوم جمركية بين البلدين. إنّ التنازلات الأمريكية هذه لم يكن بمقابلها شيء، والذي يعني بذاته نجاحاً للسياسات الصينية ونُقطة إضافية شكلت مؤشراً هاماً على تطور بُنيتها الاقتصادية التي سمحت لها ليس بدخول حرب تجارية فقط، بل والانتصار بها، ومن جهة ثانية كان إعلان هذه التفاهمات دليلاً على أنّه ومع بدء الحرب التجارية مباشرة كانت تعمل المفاوضات، أيّ: تياران أمريكيان، وخطٌ صينيّ واحد. مما يُفسّر تعديل موقف الصين من عدم مشاركتها في القمة إلى الذهاب. وفي نهاية الأمر، فإن هذا التفصيل بعمومه يعني ما يعنيه من أن واشنطن وصلت حدّها في جولة التصعيد السابقة ولم يعد بإمكانها الاستمرار فيه أكثر.
أمريكا- روسيا
فيما يخصّ الأمريكيين وروسيا، أعلن كلا الطرفين الوصول لعدة تفاهمات جديدة، من دون ذكر تفاصيل مباشرة حولها، لكن كان من اللافت تصريح الرئيس الروسي بوتين بأن هذه التطورات وهذه التفاهمات الروسية الأمريكية هي استكمال لما بدأ في هلسنكي، بالقمة التي جمعت بوتين وترامب. أيّ: أن العلاقات والتفاوضات بين البلدين، ورغم كل التصعيد السابق أيضاً لم تنقطع، بأمر مشابه للحالة الأمريكية-الصينية. حيث خطّان أمريكيان، تياران، أحدهما: يتم التفاوض والتعامل معه، والثاني: لا يقبل إلا بالتصعيد. من المسائل التي صُرّح عنها في هذا الإطار، هي موضوع اتفاقية الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بتكليف وزيري خارجية البلدين على بدء محادثات حول تمديدها.
أمريكا- العالم
تراجعت واشنطن على لسان رئيسها عن التصعيد بوجه تركيا بذريعة شرائها منظومة S400 للدفاع الجوي من روسيا، معترفاً بأن «الولايات المتحدة لم تتعامل مع تركيا بشكل مُنصف»، وردّ أردوغان على ذلك بنفس الموقف التركي بلا تنازلات، بأنها مسألة سيادية. وبما يخص كوريا الديمقراطية، وبعد يومين من قمة العشرين، أعلن ترامب بعد اختتام محادثاته مع الرئيس كيم في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، وبحضور رئيس كوريا الجنوبية، عن إنشاء فريقي تفاوض لتنسيق تفاصيل المحادثات المقبلة خلال الثلاثة أو أربعة الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى أن العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية قد يجري بها تطور خلال المحادثات.
روسيا– العالم
خلال لقاء الرئيس الروسي مع قادة مجموعة «بريكس» دعا بوتين إلى وضع ضوابط واضحة لعمل الشركات متعددة الجنسيات، بهدف عدم احتكار هذه الشركات للسوق وضمان حرية الوصول إلى التكنولوجيا، وحث دُول التكتل على تنشيط استخدام العملات الوطنية في الحسابات التجارية بين الدول الأعضاء. وفي أثناء لقائه مع رؤساء الصين والهند، صرّح: «من الممكن أن يُصبح تعاوننا في شكل «روسيا-الهند- الصين» مثالاً للنظام العالمي العادل والحديث ومتعدد الأقطاب، والذي يرفض سياسة الحماية والإجراءات الأحادية الجانب والعقوبات غير الشرعية» مضيفاً: إن تنسيق المواقف في إطار هذه «الترويكا» يمكنه أن يأتي بنتائج جيدة عند تناول أهم المواضيع المطروحة أمام أكبر المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة. وبعلاقتهم مع السعودية، أعلن المدير العام للصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، بعد يوم من القمة: أن روسيا والسعودية تخططان لإنشاء مجلس اقتصادي من أجل زيادة الاستثمار في مشاريع مشتركة. بالإضافة إلى تمديد صفقة «أوبك+» ستة أشهر أخرى.
كُل هذه التطورات السريعة والتهدئة والتفاهمات التي حصلت خلال يوم واحد، لم تكن لتجري لولا أن الولايات المتحدة الأمريكية مأزومة في الصميم، وتلقت هزائم بالجملة في المرحلة السابقة، وبالمقابل فإنه بعد مدة قصيرة من الزمن ستعود واشنطن إلى التصعيد بصعود تيار الحرب فيها مؤقتاً، فلا خيار ثالث أمامها، وصولاً إلى أن يصبح مستوى الميل العام لانخفاض وزنها وتأثيرها دولياً، بحيث لا يعد يشكل عوائق على المستوى الدولي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 920