«الشمالي2»: برلين ليست وحيدة في مواجهة واشنطن
مالك سعد مالك سعد

«الشمالي2»: برلين ليست وحيدة في مواجهة واشنطن

كان من اللافت خلال الأسبوع الماضي، تهديد السفير الأمريكي في ألمانيا، ريتشارد غرينيل، مجدداً بفرض عقوبات على الشركات الألمانية التي أعلنت نيتها المشاركة في مشروع «السيل الشمالي2». تهديد قد يمثّل حجر عثرة جديد في وجه العلاقات الأمريكية الألمانية، التي تأخذ بالاحتدام شيئاً فشيئاً حول نقطة خلاف ضخمة عنوانها: العلاقات مع موسكو بوصفها خصماً إستراتيجياً لواشنطن.

الملفت أكثر من التهديد بحد ذاته، هي الطريقة المباشرة التي جاء بها وامتداده ليطال شركات غير أوروبية، وغير ألمانية بالتحديد، حيث أكد غرينيل في مقابلة تلفزيونية: أنّ حجة بلاده في فرض العقوبات المفترضة أن مشروع «السيل الشمالي2» يمكن أن يزيد من اعتماد الدول الأوروبية على إمدادات الغاز من روسيا، مهدداً ليس فقط الشركات الألمانية «وينترشال ديا» و«يونيبر» المشاركة في هذا المشروع، ولكن أيضاً شركة OMV النمساوية، وشركة «إنجي» الفرنسية وحتى شركة «شل» البريطانية.
عند المصلحة:
تنسى واشنطن الدبلوماسية
في خطوة بعيدة كل البعد عن الأعراف الدبلوماسية، وتعكس مستوى التخبط والضيق الأمريكي، أرسل غرينيل في مطلع هذا العام رسائل إلى شركات ألمانية كبرى، هدد فيها بفرض عقوبات من واشنطن ضد هذه الشركات. وهو ما رفضته الخارجية الألمانية بشكلٍ ملفت لم تلجأ إليه سابقاً، حيث أرسلت للسفير الأمريكي بياناً طالبته فيه بأن يحصر تواصله معها تحديداً كونها الجهة المعنية، وكذلك أرسلت رسائل أخرى إلى الشركات الألمانية المحددة تؤكد فيها: أن الخارجية الألمانية لا تتبنى أية رسائل دبلوماسية تصل إلى الشركات.
كانت المفارقة اللافتة الأخرى، أنّ الرسائل التي بعثها السفير الأمريكي إلى الشركات الألمانية، حملت ما يشبه البيان السياسي الذي جاء فيه: أن ألمانيا لا تنفق سوى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع كما وعدت، وكأن الشركات معنية أصلاً بنقاش مثل هذه المسائل.
الولايات المتحدة لا تحتمل الحلول الوسط
رغم هذا الاحتدام، قدمت ألمانيا عرضاً مغرياً للولايات المتحدة، والذي كان عبارة عن قرار من برلين لبناء محطة لاستقبال ناقلات الغاز الطبيعي المسال، من أجل تنويع إمدادات الغاز، وبالتالي تقليل اعتمادها على روسيا. إلّا أن ذلك لم يُرضِ واشنطن، فالحلول الوسط ليست مناسبة، بل ينبغي على برلين الامتثال لإرادة الولايات المتحدة للتخلي عن استيراد الطاقة الروسية، لأن هذه الأخيرة تعني بالنسبة لواشنطن ضربة قاصمة لمنطق التبعية الأوروبية للأمريكي.
بناءً على ذلك، تحول بعض رموز الحكومة الأمريكية إلى ممثلين دعائيين بالمعنى الحرفي، حيث قام وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري، الذي وصف الغاز الروسي بأنه «رخيص» و«غير موثوق به»، بالضغط على التعاون في مجال الطاقة بين أوروبا وروسيا في بروكسل. ليصل إلى استنتاج: أن سعر الغاز الروسي الذي يجذب المستهلكين الأوروبيين غير موثوق به، وليس له مزايا تنافسية واضحة على الغاز الأمريكي، من حيث السعر والجودة.
منطق العقوبات مجدداً: فاشل
تتوقع الصحف الألمانية، أنه سيتم طرح المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة على هذا النحو: إذا لم تقبل برلين بشروطنا، فسنخفض إمدادات الغاز. وفي أية حال، إذا كان الألمان يدفعون أكثر مقابل الغاز، فإن سياراتهم، مثلها مثل جميع منتجاتهم الأخرى، ستصبح أكثر تكلفة، وبالتالي أقل قدرة على المنافسة، وهذا، من وجهة النظر الأمريكية، ليس سيئاً أيضاً، لأن «أمريكا فوق كل شيء».
والحقيقة هي أنه حتى من خلال زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، فإن الولايات المتحدة غير قادرة على استبدال غاز خط الأنابيب الروسي، والذي وفقاً لتقديرات عدة، تعتمد عليه إحدى عشرة دولة أوروبية، الولايات المتحدة ببساطة لا تملك وغير قادرة أبداً على أن تملك مثل هذا الحجم من الغاز المسال للسوق الأوروبية. ويقوم الأمريكيون– حسب ما أفادت صحيفة دير شبيغل مؤخراً- في أوروبا عموماً بتسليم الغاز الطبيعي المسال الذي يتم شراؤه من روسيا تحت ستار خاص بهم.
ماذا يفعل الأوروبيون؟
يدرك الأوروبيون جيداً هذا، لكنهم مضطرون للموافقة، كما فعل مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي ميجيل أرياس كانيث، أثناء حديثه في مؤتمر للطاقة في بروكسل، تمت الإشارة فيه إلى وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري، الذي أيد زيادة واردات الولايات المتحدة من الغاز، لأن «التنويع مهم ليس فقط لأمن الإمداد، ولكن أيضاً للمنافسة». لكن الأمر واضح، فبدون الغاز الروسي، تواجه ألمانيا مستقبلاً غير سار. لذلك، في هذه الحالة، لا تهم الرغبات الأمريكية كثيراً.
أحد المستشارين السياسيين الذين يتحدثون بجرأة في هذا الموضوع هو المستشار النمساوي سيباستيان كورز. ووفقاً له، تدعم فيينا بناء «السيل الشمالي2» وتعتبره أساس أمن الطاقة في البلاد، على الرغم من الرأي المعاكس لبعض السياسيين في بروكسل وستراسبورغ. فإلى ماذا سيؤدي هذا الصراع؟
إن وجود ساسة آخرين ومصالح أخرى، أهمها: استرضاء الولايات المتحدة، سيؤدي إلى حقيقة أن بناء خط أنابيب الغاز قد يتأخر إلى حد ما، وسيصبح أكثر تكلفة. لكن مع ذلك، ربما هذا هو كل ما في جعبة أعداء العلاقات الأوروبية الروسية تحقيقه. كان من المقرر الانتهاء من بناء «السيل الشمالي2» في نهاية عام 2019. ربما سيتم بناؤه في غضون ستة أشهر بعد هذا أو في غضون عام.
شيئاً فشيئاً تصل أوروبا إلى استنتاجٍ بسيط يعد بمثابة حبل النجاة للقادة الأوروبيين الرازحين تحت ضغط شعوبهم: إذا استسلموا تماماً، فسوف يخلقون حالة مأساوية للغاية، ستسمح للولايات المتحدة بالتدخل باستمرار ضد مصلحة أوروبا وفي شؤونها الداخلية وسياساتها الاقتصادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
913