السودان... التجربة تفرض الحذر
خطّ الشعب السوداني صفحةً جديدة من نشاطه في الأشهر الماضية بفرض نفسه ومطالبه بتغيير المنظومة الحاكمة في البلاد، إلّا أنّ عناصر من القوى المضادة تسعى لإعاقة هذا التقدّم بطبيعة الحال مما يفرض حذراً على الحراك السوداني وقياداته السياسية.
كان الخلاف العالق في الآونة الأخيرة، هو: حول الفترة الانتقالية، في مدتها وبنيتها والمشاركون بها. حيث كان سلوك المجلس العسكري يشير إلى عزمه على استلام زمام الفترة الانتقالية ومجلسها لسنتين يجري خلالها حوارات واجتماعات مع مختلف التيارات والأحزاب السياسية السودانية تمهيداً لانتخابات ديمقراطية تجري بانتهاء الفترة.
في النقطة الأولى: مجلس انتقالي عسكري أم مدني؟
الشعب السوداني بقواه السياسية رفض تلك الإشارات القادمة من المجلس العسكري مطالبين بمجلس انتقالي مدني، حيث عادت الجماهير السودانية إلى التظاهر والاعتصام لتنفيذ هذا المطلب، فمجلسٍ انتقالي عسكريّ عملياً سوف يكون معيقاً للنشاط السياسي في البلاد، وبالتالي، معيقاً لخُطا التغيير من جهة، ومن جهة أخرى يسمح لقوى الفساد الموجودة في النظام الحالي بإعادة تنظيم صفوفها وأوراقها والبدء لاحقاً بخطا مضادة لا رغبة للسودانيين بإضاعة الوقت فيها.
في النقطة الثانية: من المشاركون في المجلس؟
من جهة أخرى برزت نقطة خلاف ثانية تتعلق بالأعضاء والأحزاب المشاركة في الحكومة الانتقالية، حيث دعا المجلس العسكري جميع الأطراف السياسية في البلاد للمشاركة والحوار فيما بينها، الأمر الذي توقفت عنده قوى الحرية والتغيير المعارضة في السودان، والمطالبة علناً بإقصاء الأحزاب الحليفة والمشاركة مع حكومة عمر البشير في الثلاثين سنة الماضية، وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني، حذرٌ تفرضه تجربة الشعب السوداني نفسه وشعوب الجوار بالتعاطي مع القوى السياسية التقليدية والمضادة. إلّا أن هذا الأمر يتناقض مع جوهر الديمقراطية المطلوبة في الظرف السوداني، ليس لصالح هذه القوى أو تلك، وإنما لصالح الشعب السوداني نفسه ليتمكن من الاستمرار بالتعبير عن مطالبه، وفرز القوى السياسية الجدية والعازمة على التغيير والمتوافقة معه، وتلك القوى التي تسعى لامتطاء نشاطه وضغطه لتحقيق أجنداتها، ففي الحقيقة لا القوى السياسية التقليدية بمجملها فاسدة، ولا القوى المعارضة بمجملها من مصلحتها التغيير الذي يريده الشعب السوداني، وأي أسلوب «إقصاء» سياسي سوف يستخدم ذريعة من هذا الطرف أو ذاك بالفترة الانتقالية، لتشويه أو قمع أية حركة شعبية تحدث أثناءها.
في النقطة الثالثة: سنتان أم أربع؟
هذا الموضوع أيضاً موضع خلاف، بين طرح المجلس العسكري أن تكون الفترة الانتقالية لسنتين، وبين طرح قوى المعارضة بجعلها 4، فمن وجهة نظر المؤسسة العسكرية تسعى إلى ضبط الأمور واستقرار البلاد بأسرع وقت ممكن، أمّا القوى السياسية المعارضة ترى الأمر عكساً من ذلك، حيث الإسراع وعدم تنفذ التغييرات المطلوبة حالياً وبوقتها الطبيعي سوف يكون معيقاً بتأمين الظروف السياسية والاجتماعية لمرحلة الانتخابات لاحقاً.
المجلس العسكري يرضخ للمطالب الشعبية
بناء على الخلافات السابقة، أعلنت قوى الحرية والتغيير في الفترة الماضية عدم حضورها للاجتماع مع المجلس الانتقالي العسكري بالتزامن مع تظاهرات واعتصامات شعبية سودانية أمام مركز القيادة العامة للجيش، فرضت على المجلس العسكري اتخاذ إجراءات جديدة، بتوقيف وإقالة حزمة أخرى من قوى النظام السوداني في الحكومة وفي المؤسسة العسكرية نفسها، بإشارة إيجابية لقوى المعارضة، حدث بعدها الاجتماع لأول مرة يوم السبت، وجرى اتفاق أوّلي على جعل تشكيلة المجلس بتمثيل عسكري ومدني مشترك لقيادة البلاد في المرحلة القادمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 911