السودان: لا عودة حتى إنجاز التغيير
أعلن الرئيس السوداني عمر البشير في خطاب له يوم الجمعة الماضي حالة الطوارئ في كل البلاد وإجراءات أخرى، رداً منه على مظاهرات الشعب السوداني التي انطلقت في الـ19 من الشهر الأول من هذا العام... ولم يكن من المتظاهرين والقوى السياسية، إلّا أن دعوا إلى المزيد من الحراك.
أعلن البشير يوم الجمعة 22/2/2019 عن جملة من القرارات الحكومية منها فرض حالة الطوارئ، وحل حكومة الوفاق الوطني، وحل حكومات الولايات، وقام بتعيين حُكّام جدد جميعهم من العسكريين، كما دعا إلى حوار وطني. إن هذه القرارات كما عبّرت عنها قوى النظام السوداني تأتي في إطار «احتواء الاحتجاجات»، في حين ترى قوى المعارضة أنها ليست إلّا خطوات تتيح المزيد من قمع التحركات الشعبية، حيث إن بُنية النظام الحاكم في السودان بتاريخه ماضياً وحاضراً غير قابلة للإصلاح، قبل أن تكون قادرة أساساً على صنع حلول لتحسين الوضع السوداني بمختلف المجالات، فكما يقول الشارع السوداني الآن: الحل بتغيير هذا النظام كلياً.
الحلول الشكلية لن تجدي
ورداً على خطاب البشير الذي رأت فيه المعارضة تصعيداً جديداً، صرّحت هذه القوى، وقبلهم الحراك الشعبي الجاري، رفض محاولات البشير بالالتفاف على مطالبهم أو تسويفها بذرائع غير مقبولة. وقد أكدت «حركة العدل والمساواة» و«حزب الأمة القومي» أن فرض البشير لحالة الطوارئ هي محاولة بائسة لقمع الاحتجاجات، واعتبروا خطابه مخيباً للآمال. ووصف الحزب الشيوعي السوداني في بيان له أن «النظام خرج بمسرحية لا تقنع أحداً» وأن كل محاولات الحلول الشكلية والترقيعية لن تجدي نفعاً، موضحين بأنه لا بديل عن التغييرات الجذرية والتي تتمثل بتغيير هذا النظام كلياً. ولا يزال الحراك الشعبي جارياً حتى الآن عبر مظاهراته السلمية في جميع البلاد والتي تتزايد عدداً ووتيرةً مع الوقت.
حوار وقمع وطوارئ في آن واحد؟
في المقابل أعلن البشير عدة مرات عن دعوات للحوار بين الحكومة وقوى المعارضة، والتي قوبلت بالرفض بداعي سلوك الحكومة الذي يتعارض مع هذا الطرح، بدءاً من الوضع المعيشي وليس انتهاءً بقمع الحراك ومؤخراً حالة الطوارئ. فالطرح الحكومي هذا يأتي محاولة لاحتواء الضغط الشعبي في الشارع. مسألة الحوار هذه رغم إيجابيتها إلا أنها لا تصلح دون أفعال تترافق معها. فحل المسألة السودانية الآن يتطلب حواراً ليس على شاكلة الطرح الحكومي بالاحتواء والمضي قدماً بتغييرات شكلية، بل حواراً يجري فيه الاتفاق على خطوات ملموسة لفكفكة مفاصل هذا النظام، وبناء حكومة وطنية جديدة تتناسب مع مطالب الشعب السوداني بالتغيير الجذري.
متّحدون بفعل الضرورة
من الملفت هو تكاتف قوى المعارضة السودانية ولو بالحد الأدنى- على الرغم من تباين رؤاهم السياسية- في وجه النظام السوداني القائم. وقد ورد في بيان الحزب الشيوعي السوداني «ضرورة رفع اليقظة والحذر لما يُحاك من مؤامرات داخلية وخارجية لضرب وحدة المعارضة ونشاطها المشترك، عبر طرح حلول تستهدف ترقيع النظام وإشراك قوى من خارجه». إن حالة النشاط المشترك للقوى السياسية هذه لم تأتِ إلّا بفرضٍ من الحراك الشعبي ذاته ودفعاً منه، فمستوى الاحتقان وسوء المعيشة ومستوى الفساد الموجود والمفضوح داخل بنية النظام القائم لا تتيح المجال لأحد بتغيير شعارات الحراك أو تشويهها وفقاً لمصالحه، بل تدفع الجميع للالتزام بالمبدأ الوطني في معالجة المسألة، متناسين الخلافات السياسية مؤقتاً، وصولاً لإنجاز التغييرات المتوافقة مع مطالب الشعب.