روسيا: لتوحيد الفصائل الفلسطينية في مواجهة صفقة القرن
في محاولة استباق الحريق الذي يسعى الأمريكيون إلى تفجيره من خلال محاولة تمرير ما يسمى «صفقة القرن»، دعت موسكو الفصائل الفلسطينية إلى حوار سياسي، في كسرٍ للبرود والجمود الذي لحق عدم الوصول إلى تفاهمات على الأرض، بعد اتفاق الفصائل على الورق في القاهرة عام 2017.
تكمن أهمية هذا اللقاء في دفع موضوع المصالحة الفلسطينية إلى الخطوط الأمامية كضرورة رئيسية في المرحلة الحالية لمواجهة أية ضغوط أمريكية قادمة، وفي دور روسيا كراعٍ دولي مهم يؤكد على هذه الرؤية من جهة، ويسعى من جهة أخرى إلى لعب دورٍ في إفشال مخططات واشنطن بما يتوافق مع القرارات الدولية.
الموقف الروسي من «صفقة القرن»
في كلمة له قبيل افتتاح حوار موسكو، أكد وزير الخارجية الروسي موقف بلاده اتجاه «صفقة القرن»، بالرفض التام لها كونها تخالف بالدرجة الأولى القرارات والشرعية الدولية بما يخص القضية الفلسطينية، ودعا وزير الخارجية الروسي الأطراف الفلسطينية إلى حوار جدي يخرج عنه توافق فلسطيني، بحكم أنّ القوى المثيرة للشغب على المستوى الدولي تستغل ورقة الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني لتمرير مشروع الفوضى الجديد المسمى «صفقة القرن».
اجتماع موسكو نحو مزيد من الاجتماعات
لم يسفر اجتماع موسكو عن صدور بيانٍ ختامي متوافق عليه بين الفصائل الفلسطينية، لكن الفصائل جميعها أكدت التزامها باستمرار التفاوض والحوار في القاهرة خلال الفترة القادمة، بما يدل على أنّ جهداً ووزناً روسياً ومصرياً قد وضع لإنهاء حالة الانقسام، التي تستثمرها القوى الغربية للترويج لصفقات لا يمكن وصفها إلّا بأنها ضربات تحت حزام موازين القوى الدولية، التي لن تسمح أبداً بمرور قرارات خارج إطار التوافق الدولي.
لكن يبقى السؤال هنا: بما أن كل الفصائل في جلسة الحوار الختامية أكدت رفضها لصفقة القرن، فما الذي أجل صدور بيانٍ ختامي في نهاية مؤتمر موسكو؟ والجواب مرتبط هنا بجانبين، أولاً: عمق الانقسام الذي كرسته كلٌّ من دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية تدريجياً وبأدوات متعدد خلال المرحلة الماضية. وثانياً: بسبب رفض كل فريق للصفقة على هواه، ويمكن تقسيم الوضع هنا ما بين سلطة «أوسلو» وباقي الفصائل...
الاتفاقيات مع الكيان أبرز معيقات المصالحة
سلطة «أوسلو» ترفض «صفقة القرن» وترفض أيضاً إنجاز وفاق فلسطيني... وذلك من خلال وضع العقبات أمام توسيع مشاركة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وأمام مشاركة المجتمع الفلسطيني، أو حتى السماح له بتفجير طاقاته، عبر القمع المنظّم والقائم على التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال، وفقاً لبنية اتفاقية «أوسلو» وجوهرها القائم في نهاية المطاف على حماية الكيان الصهيوني من انفجار المجتمع الفلسطيني.
لذا يبدو أن السلطة ومن خلال إعاقتها إنجاز الوحدة الفلسطينية، تسعى إلى الحفاظ على «أوسلو» قدر المستطاع من خلال التسويف وكسب الوقت، بناءً على أوهام اعتبار الحالة الأمريكية مرتبطة بترامب، وأنّ مرحلة ترامب مؤقتة، ومن ثم تعود الأمور لمجاريها، فتستطيع في حينه العودة للقيام بالدور نفسه، وتعود الإعانات المالية الأمريكية بالتدفق مجدداً، وهي الأموال التي خلقت طغمة من المستفيدين من الوضع الراهن على حساب معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني.
لكن هذا التصور ليس إلّا أضغاث أحلام فـ«أوسلو» انتهت فعلياً، ولم يعد لها مستقبل في كل الظروف والاحتمالات، فإن تمّ الذهاب باتجاه «صفقة القرن» وأصبحت أمراً واقعاً، فإن هذا سيعني انتهاء هذه السلطة المؤقتة على الأرض، لتعود كل السيطرة للعدو الصهيوني. وإن تمّ المضي قدماً في سياسية المصالحة، وتوسيع منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كل القوى الأخرى، فعندئذ ستجد سلطة «أوسلو» نفسها أيضاً خارج الزمن.
إن سلطة «أوسلو» ومن خلال الموقف والسلوك ذاته تُضعف فعلياً الموقف الروسي، عبر إعاقة إطلاق بيانٍ ختامي في نهاية جولة المحادثات، وعِبر الرسالة الواضحة، بأن أي دور روسي في مواجهة المشروع الأمريكي يجب أن يمر عِبر السلطة، فهي إن ذهبت إلى الحوار على مضض أو ادّعت أنها تريد تنويعاً في رعاية عملية السلام وإدخال دول أخرى على الخط، فإن مثل هذا الموقف لا ينطلق من اعتبارات سياسية مبدئية، بل على العكس مبني على اعتبارات انتهازية بهدف الضغط على الأمريكيين للتراجع عن «صفقة القرن» لاعتبار أن الوضع الراهن «سحابة صيف»...
مؤتمر وارسو وتحوير طريق البندقية
من جهة أخرى وتزامناً مع اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو, كان الأمريكيون مع بعض الدول العربية والكيان الصهيوني يروّجون لمعادلة جديدة في الصراع، ضمن خطة متكاملة لحماية العدو الصهيوني، من خلال شيطنة إيران، واعتبار الكيان الصهيوني في خندق واحد مع الكيانات الخليجية التابعة، والترويج لـ «صفقة القرن». ضمن المفارقة التاريخية نفسها في دعم أمريكا للبلطجة، وتجاوز القرارات والاتفاقيات الدولية في مواجهة حليف المنطقة التاريخي الروسي، الذي يؤكد دائماً على ضرورة قيام دولة كاملة الصلاحيات للشعب الفلسطيني بناءً على ما تم الاتفاق عليه دولياً.
المصالحة ضرورة وطنية
في نهاية اللقاء قدمت الفصائل الفلسطينية اعتذارها للشعب الفلسطيني ولروسيا، لعجزها عن بلوغٍ لاتفاق... واعتبرت أنَّ الاجتماع المذكور كسر الجمود، وأن لقاءات قادمة ستجري في مصر، إلّا أن لا الاعتذار ولا كثرة الاجتماعات ستنفع الشعب الفلسطيني ما لم يتم التوصل إلى خطوات جديّة وملموسة تضمن الحصانة في وجه الصفقة الأمريكية، التي حذرت روسيا من أنها لن تضمن حتى قيام دولة فلسطينية على حدود الـ 67، وكما أن موقف روسيا من شأنه أن يضمن عرقلة أية تحركات دولية لتمرير مخططاتها على صعيد المؤسسات والقرارات الدولية، فإن الوحدة الفلسطينية تبقى العامل الأهم والحاسم لضمان حقوق الشعب.