تحولات اليابان: نحو سلام مع روسيا!
يبدو أن العام الجديد بدأ حاملاً معه فرصة تحوّل هامة في العلاقة الروسية- اليابانية، مع تأكيد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي نيته المضي قدماً في المفاوضات مع موسكو حول قضية جزر الكوريل، والتوقيع على معاهدة السلام بين البلدين.
ستشكل معاهدة السلام المحتملة بين البلدين دفعاً للتحوّل الذي تشهده اليابان من خلال التقارب مع روسيا، وتكمن أهمية هذا التحوّل في برهانه على التحوّل نحو عالم متعدد الأقطاب، وعلى كونه يجري بين دولتين ذو وزن عالٍ في الشرق.
اليابان... من الغرب إلى الشرق
تُعتبر اليابان، ذات مكانة إستراتيجية متمايزة في القارّة الأوراسيّة العملاقة بحكم موقعها، وهو الأمر الذي انعكس بشكل كبير على قراراتها السياسية عبر القرون. وكانت اليابان قد اختارت أن تطبق أجزاءً محددةً من «الغربنة» بعد إصلاحات ميجي في 1868، واستطاعت أن تحقق نموّاً وتفوقاً كبيرين على منافسيها الإقليميين لتنهض في نهاية المطاف كقوّة عظمى بحدّ ذاتها.
كانت حقبة الحرب العالمية الثانية هي المرحلة الأولى في طموحات اليابان الجيوإستراتيجية، وبعدها تمّ احتلالها بشكل مهين من قبل الولايات المتحدة، فمنذ عام 1945 فصاعداً باتت طوكيو هي شريك واشنطن الرئيس في شرق وجنوب شرق آسيا، حيث شـجعتها الولايات المتحدة للاضطلاع بدور إقليمي قيادي يمكنها من خلاله ممارسة هيمنتها في المنطقة. ولهذا السبب قامت الولايات المتحدة بتعيين اليابان لتصبح اللاعب الرئيس في «بنك التنمية الآسيوية ADB»، فبرزت كقوة اقتصادية كبرى بالإضافة إلى تعزيز موقعها كقوة عسكرية في المنطقة.
لكن طوكيو التي بقيت لعقود شريكاً أساساً لواشنطن، بدأت قيادتها عملية تقارب سريع مع موسكو، وكان رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، قد أكد في 24 تشرين الأول الماضي، أن بلاده ستفتح عهداً جديداً في علاقاتها مع روسيا، وهو ما لاقى تجاوباً من الجانب الروسي.
«الكوريل» لن تقف عائقاً
يمضي البَلدان اليوم في تطوير العلاقات المشتركة، رغم الخلاف العالق حول جزر الكوريل الأربع، وهي جزر إيتوروب، كوناشير، شيكوتان وهابوماي، التي تسميها روسيا «الكوريل الجنوبية»، واليابان «أراضي الشمال»، وكانت طوكيو قد اشترطت عودة الجزر الأربع للوصول إلى معاهدة سلام مع روسيا، والتي لم توقع منذ الحرب العالمية الثانية، لكن موسكو ترى بأن جزر الكوريل الجنوبية، قد أصبحت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن السيادة الروسية عليها مسجلة ضمن مواثيق القانون الدولي.
وفي سياق تطور الأحداث نحو إيجاد حل، كان قد اقترح الرئيس بوتين في المنتدي الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، الذي جمعه برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في أيلول الماضي، إبرام معاهدة سلام دون شروط مسبقة، كما اتفق الطرفان خلال اجتماعهما في سنغافورة في تشرين الثاني الماضي على دفع المفاوضات بشأن توقيع معاهدة سلام بين البلدين على أساس الإعلان السوفيتي الياباني المشترك لعام 1956، وهو الوثيقة الوحيدة التي يعترف بها كلا البلدين، وينص على أنه بعد إبرام معاهدة السلام، سيتم نقل جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان، وكانت طوكيو قد وعدت موسكو بعدم نشر قواعد عسكرية في هاتين الجزيرتين حال استعادتهما.
وحملت تصريحات آبي الأخيرة سعياً يابانياً نحو حل المشكلة من خلال قوله: «التركيز الآن مصبوب على حل مشكلة الأراضي الشمالية وتوقيع معاهدة السلام. وإذا سمحت الظروف أعتزم زيارة روسيا في النصف الثاني من هذا الشهر لمواصلة المفاوضات حول معاهدة السلام، وأود هذا العام أن أخطو خطوة كبيرة نحو هذا الهدف».
العلاقات الروسية اليابانية... منفعة مشتركة
تفرض التحولات الدولية الجارية على اليابان، كما غيرها، تحولاً في علاقاتها الخارجية، من خلال القطع مع الهيمنة الغربية، والسعي نحو المصالح المشتركة مع شركاء آخرين في الشرق، فالعلاقات اليابانية الروسية من شأنها تحقيق المنفعة للطرفين ، كما من شأنها تعزيز الاستقرار في المنطقة.
يمكن لروسيا أن تزوّد الصناعة اليابانية النهمة بالموارد والطاقة الكافية، كما من شأن القرار الياباني بالدخول في شراكة مع الهند لريادة ما يدعى «ممر تنمية آسيا- إفريقيا» أن يتيح الوصول إلى تكاملات اقتصادية فيما بينهما في منطقة المحيط الهندي الكبرى. إنّ شراكة اليابان مع القوتين الكبريتين: روسيا والهند، سوف تؤمنان لها الوصول إلى طرق عبور وتجارة عالية الأهمية، وقد تتحول المنافسة مع الصين إلى تعاونٍ ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، وهو ما سيعزز في النهاية المصالح المشتركة والتحرر الياباني من الوصاية الأمريكية.