حرب استنزافٍ عالمية
يزن بوظو يزن بوظو

حرب استنزافٍ عالمية

باتت تتسارع المتغيرات الدولية بشكل يومي على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية كافة، ومع كل هذه المتغيرات تنشأ التوترات والتهديدات المتبادلة بين مختلف الأطراف، أهمها: روسيا والولايات المتحدة الأمريكية... ومن بين هذه التهديدات يبرز سباق التسلح.

كان لإعلان واشنطن نيتها بالانسحاب من «معاهدة الحد من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى» نقطةَ فاصلة في مستوى ونسبة التوتر والتصعيد العسكري عالمياً، حيث إن هذه المعاهدة شكلت أحد مفاصل الأمن الدولي التي وضعت في أثناء الحرب الباردة في عام 1987 للحد من «سباق التسلح» الذي كان يجري آنذاك و«انتشار السلاح النووي»، لتعود إلى الأذهان اليوم فكرة حربٍ عالمية ثالثة؟
لا يريدون الحوار
والحجة على النار
رغم تهديدات واشنطن بالانسحاب من المعاهدة، راميةً بالسلم العالمي عُرض الحائط، يحاول الروس الحفاظ عليها عبر استمرارهم بفتح أقنية للتفاهم حول المعاهدة مع الجانب الأمريكي والأمم المتحدة، تجنباً لأية نزاعات وتوترات دولية، فقد أكدت الخارجية الروسية مراراً معارضة موسكو القطعية لانهيار المعاهدة، وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف يوم الاثنين الماضي في مقابلة مباشرة في إحدى الإذاعات الروسية، «نحن نؤيد الإبقاء على هذه المعاهدة، وقد اعترف المجتمع الدولي بأسره مراراً بأنها أحد الأركان الأساسية للأمن الدولي والاستقرار الإستراتيجي. سنحاول للمرة الثانية على التوالي التوصل في الأمم المتحدة إلى قرار من الجمعية العامة يدعم الحفاظ على هذه المعاهدة»، واعتبر لافروف أنه «يجري حالياً ضخ توتر غير مسبوق في العالم» ... وقد قال بوتين خلال مؤتمره الصحفي السنوي في موسكو يوم الخميس: «نشهد حالياً تفكك النظام العالمي للحد من سباق التسلح» مما قد يؤدي إلى تداعيات كارثية... وكان قد أعلن سابقاً أن الأمريكيين قرروا الخروج من هذه المعاهدة، وأنّ كلَّ ما يقومون به الآن هو البحث عن حجة تكون مقنعة لحلفائهم الغربيين الذين يعتزمون نشر صواريخ أمريكية على أراضيهم.
احتياطات ضرورية
بالتوازي مع تصريحاتهم الرسمية لمحاولة التفاهم والحفاظ على المعاهدة، بدأ الروس بالتحرك عسكرياً ردّاً على التهديدات الأمريكية، حيث أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن قاذفات إستراتيجية روسية من طراز «تو-160» قامت بالتحليق فوق البحر الكاريبي أثناء الزيارة الدولية لوفد القوات الجوية الفضائية الروسية إلى جمهورية فنزويلا، كما ذكرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» أن روسيا تعتزم زرع وجود عسكري طويل الأمد لها في أمريكا اللاتينية عبر إنشاء قاعدة جوية في فنزويلا، وبيّنت الصحيفة: أن الحديث يدور عن «جزيرة أورتشيلا» الصغيرة والواقعة على بعد 200 كيلومتر شمال شرق العاصمة الفنزويلية كاراكاس... ومن جانب آخر قال الناطق الصحفي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في حديث على القناة التلفزيونية الأولى الروسية، يوم الخميس: «بعد الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى قد يتم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في دول أوروبية، مثلما كان الأمر في عهد الحرب الباردة». وأضاف: «نشر هذه الصواريخ واحتمال تصويبها نحو روسيا سيؤدي إلى تصويب الترسانة الصاروخية الروسية باتجاه تلك الصواريخ من أجل الحفاظ على ميزان القوى». وقد أعلن «ألكسندر دفورنيكوف» قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا في وقت سابق أيضاً عن إتمام عملية تسليح قوات الصواريخ المضادة للجو بشبه جزيرة القرم بمنظومات «إس-400» الحديثة.
حرب نووية؟
مع كل هذه التوترات تتبادر للأذهان نُذُر قرب حرب عالمية جديدة، نووية، بين «قطبين» كما اعتاد العالم أن يُخيل له بعد الحرب العالمية الثانية، لكن لم يعد هنالك «قطبان» ولا قطبُ واحد أصلاً يتمثل بأمريكا، بل تعددية قطبية،بالنسبة للولايات المتحدة، فلم يعد لواشنطن، مع اقتراب انهيار دولارها يوماً بعد يوم، أيّ حاملٍ اقتصادي لتحركاتها وعملياتها العسكرية، أحد الأسباب التي تدفعها لسحب قواتها من مختلف المناطق حول العالم مؤخراً، بالإضافة إلى تأثر وتأثير الرأي العام المناهض للحرب الأمريكية، أكان داخلياً عند شعبها أم خارجياً من بقية الشعوب، مما يشكل عائقاً سياسياً لا يمكن لها التغافل عنه، وبالتأكيد فإن هذا الطرف والذي يعبر في مرحلة هبوط تاريخية لا مصلحة له على الإطلاق بالمشاركة في أية حرب تستنزف قواه، لكن مصلحته تكمن في خلق توترات دولية يُضرب بها الجميع مع الجميع، ويستنزف الكل بعضه كي لا يكون الخاسر الوحيد