مسلسل «بريكست» لم ينتهِ بعد!
بعد مفاوضات ومشاورات طويلة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، تم التوصل إلى اتفاق حول مشروع مسودة اتفاق «بريكست»، تم التوقيع عليه خلال القمة الأوروبية الاستثنائية يوم الأحد الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
مضى حوالي عامين على الاستفتاء الذي صوّت عليه الناخبون لصالح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلّا أن الانسحاب منذ ذلك الحين واجه العديد من العقبات أمام تطبيقه، نتيجة للخلافات بين بروكسل ولندن حول تفاصيل الاتفاق، فهل ينتهي هذا المسلسل الذي طالت حلقاته مع التوصل إلى الاتفاق المذكور؟
داخل قابل للانفجار
إن استعصاء تطبيق «بريكست» لا يعود فقط إلى الخلاف مع الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً إلى الخلافات والانقسامات في الداخل البريطاني، التي كان «بريكست» بمثابة كاشف ومسرّع لها، ويبدو أن حدود مسلسل «بريكست» لن تقف عند التوصل للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، حيث أن جميع المؤشرات تدل على وجود انقسامات عميقة قابلة للانفجار في الداخل البريطاني.
تدور الخلافات داخل الحكومة البريطانية وفي حزب «المحافظين» الحاكم، وبين الحكومة وأحزاب المعارضة، بين من يرى ضرورة إعادة النظر في الاستفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبين من يرى أن الخطة التي تعمل عليها تيريزا ماي، هي «بريكست سلس» مختلف عما أراده غالبية البريطانيين، إذ يرسخ وضع تبعية بريطانيا للاتحاد الأوروبي حتى بعد الانسحاب.
الحكومة تتهاوى
في ظل هذا المشهد لا تزال الاستقالات تتوالى في حكومة ماي، فبعد استقالة وزير الخارجية، بوريس جونسون، والوزير المكلف بملف «بريكست»، ديفيد ديفيس، في تموز الماضي، قدم عدد من الوزراء مؤخراً استقالاتهم احتجاجاً على الاتفاق الأخير مع بروكسل، إذ استقال كل من الوزير المكلف بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، دومينيك راب، والوزير المكلف بشؤون إيرلندا الشمالية شايليش فارا، وكذلك وزيرة العمل والمعاشات، إيستر مكفي، ووزيرة الدولة لشؤون «بريكست» سويلا بريفرمان.
ومن بين الانتقادات التي طالت مشروع الاتفاق الأخير مع بروكسل من قبل هؤلاء الوزراء المستقيلين تضمنت:
- النظام التنظيمي المقترح لإيرلندا الشمالية يمثل تهديداً حقيقياً لسلامة وحدة أراضي المملكة المتحدة.
- الاتفاق يعطي الاتحاد الأوروبي حق النقض على قدرة بريطانيا في الانسحاب من الاتفاق.
- مشروع اتفاق «بريكست» المقترح لا يضمن سيادة واستقلال المملكة المتحدة.
- اتفاق «بريكست» يبقي المملكة المتحدة في منتصف الطريق، بين خروج ولا خروج.
مصادقة البرلمان تبدو بعيدة
في ظل تهالك الحكومة البريطانية تبدو ماي، التي تصرّ على المضي قدماً بالانسحاب، أنها في مأزق صعب، فمشروع الاتفاق لا يزال يحتاج إلى مصادقة البرلمان البريطاني عليه، وهو ما أكد عليه وزير المالية البريطانية، فيليب هاموند، بالقول: إن «بريكست» قد لا يحدث مطلقاً في حال رفض برلمان بلاده المصادقة على الاتفاق، معتبراً أن ما يسمى «بريكست السلس» سيكلف بريطانيا عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية.
إن موافقة البرلمان البريطاني على المشروع تبدو أمراً صعباً، فحزب «العمال» المعارض، الذي دعا إلى انتخابات في حال فشل «بريكست» لا يبدو أنه سيصوت على خطة ماي جديدة، بينما الجناح اليميني المؤيد لـ «بريكست» داخل حزب «المحافظين» لا يمكن أن يؤيد الصفقة التي يعتبرها خيانة لقرار استفتاء 2016.
بالإضافة إلى ذلك فإن الحزب «الديمقراطي الوحدوي» الإيرلندي يرى في مشروع الاتفاق تهديداً لوضع ايرلندا الشمالية ووحدة بريطانيا، إذ يرى أن إبقاء إقليم إيرلندا ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي يعني استقلاله نسبياً عن بريطانيا ووضعه تحت القوانين الأوروبية، بينما طالب الحزب «القومي» الاسكتلندي بصيغة تحفظ لإسكتلندا بقاءها ضمن السوق الأوروبية، مهدداً بالدعوة لانفصال اسكتلندا عن بريطانيا، إذ أن غالبية الأسكتلنديين صوتوا ضد «بريكست».
دخلت أزمة «بريكست» اليوم فصولاً أصعب وأكثر تعقيداً، قد تؤدي للإطاحة بحكومة ماي، وقد تأخذ أبعاداً أخرى، ليصبح قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي خطوة نحو تغيير وجه بريطانيا. إذ تعتبر أزمة «بريكست» تعبيراً عن أزمة أكبر تطال الدولة المركزية في المنظومة الرأسمالية واشتدادها، فالخلافات الأوروبية البريطانية، والخلافات الداخلية البريطانية، لا يمكن فصلها عن التغيرات التي تجري على مستوى العالم اليوم وانحسار الدول والبنى التقليدية التي هيمنت في الحقبة الماضية، وما انقساماتها إلّا دليل على تراجعها وتراجع سياساتها، لتمهيد الطريق نحو ظهور البديل.