هروب أمريكي- سعودي: لا نصر في اليمن!
على نحو ليس بالمفاجئ، دعت أمريكا إلى إيقاف الحرب على اليمن، وإيجاد حل للأزمة عن طريق المفاوضات، لتتعالى بعدها الأصوات الدولية الداعمة للحل، والمؤيدة للخطوة الأمريكية.
قبل هذه الدعوة دعمت واشنطن حرب «التحالف» على اليمن قولاً وفعلاً، لذلك يثير هذا الموقف الأمريكي الجديد التساؤل عند الكثيرين، وهنا يمكن القول: أن الدعوة الأمريكية للحل ليست غريبة في سياق انحسار بؤر التوتر عالمياً مع تغير ميزان القوى الدولي، آخذين بعين الاعتبار، تعمق الأزمة الإنسانية، والاستعصاء السعودي في اليمن منذ عام 2015، وعدم القدرة على حسم المعركة عسكرياً.
أزمة متعددة الأوجه
تُشكل الحرب السعودية على اليمن أحد بنود الأزمة السعودية التي يرتفع منسوبها وتتعدد أشكالها، داخلياً وخارجياً، منها: الانقسامات الجارية في أعمدة الدولة السعودية الثلاث، وهي: العائلة الحاكمة، والمؤسسة الدينية وكذلك العسكرية، والتحديات الاقتصادية التي أبرزها ارتفاع مستوى العجز في الموازنة، وارتفاع نسبة الدين العام، مع تعثر أحلام محمد بن سلمان الاقتصادية مثل: التراجع عن خطة طرح شركة النفط الحكومية السعودية «آرامكو» للاكتتاب العام، ليضاف إلى ذلك الحرب في اليمن والأزمة الخليجية، وآخرها مقتل خاشقجي والضغط الدولي الجاري في هذا الإطار.
هذا الواقع السعودي، الذي هو نتيجة موضوعية لتحالف الرياض التاريخي مع واشنطن وهواها الغربي، يضع المملكة في موقع ضعف وعدم استقرار، ويجعلها مجدداً عرضة للاستغلال والتحكم لكن بشكل أسهل، وخاصة أن السعودية غير قادرة على الخروج من عباءة الغرب وإحداث تغييرات جذرية، وهو ما ينطبق على جميع حلفاء واشنطن، غير القادرين أو الممانعين لإحداث التغيير.
وكما كانت الحرب السعودية على اليمن ذريعة لمواجهة «الخطر» الإيراني في إطار الحملة التي تقودها واشنطن ضد إيران، فإن الإيعاز الأمريكي للسعودية بوقف هذه الحرب يعكس واقع واشنطن وعدم قدرتها على المضي قدماً في إشعال بؤر التوتر حول العالم كما السابق، نتيجة لتغير موازين القوى، وازدياد عزلة واشنطن على الساحة الدولية، ونتيجة للضغط المتولد عن الانقسامات الأمريكية الداخلية.
يجري اليوم استخدام قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي كأداة لإحداث تغييرات معينة، وكما يجري الحديث عن تغيير قادم في بنية الحكم في السعودية، فإن هذه الأداة تتيح أيضاً للسعوديين والأمريكيين الفرصة للخروج من مستنقع اليمن وتنظيم حالة التراجع.
دعم دولي للحل
حظيت دعوات حل الأزمة اليمنية بإجماع دولي، دعمتها دول الخليج وأوروبا وكندا بالإضافة إلى روسيا والأمم المتحدة، كما أبدت السويد استعدادها لاستضافة محادثات الأطراف المتنازعة في اليمن.
داخلياً، أبدت الحكومة اليمنية ترحيبها بالجهود المبذولة لإحلال السلام في اليمن، واستعدادها لبحث الإجراءات كافةً المتصلة ببناء الثقة. من جهتها اعتبرت جماعة «أنصار الله»، وفقاً لتصريحات منسوبة إلى رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، بأن التصريحات الدولية الأخيرة التي أكدت أن الحرب على اليمن لا مخرج لها وأنه قد حان الوقت لكي تنتهي، تصريحات إيجابية، لكن على مطلقي هذه التصريحات أن «يترجموا رغبتهم بإحلال السلام في اليمن بالعمل على وقف قصف اليمنيين على الفور دون التسويف وفك الحصار عن الجمهورية اليمنية».
هذا الموقف تزامن مع موجة تصعيدية لـ«التحالف» في صنعاء والحديدة أعقبت الدعوات إلى الحل، في محاولة يبدو الهدف منها تحسين الأوراق التفاوضية قبل الذهاب إلى الحوار في حال تم فعلاً. لذلك يبدو تشكك «أنصار الله» إزاء الدعوة الأمريكية منطقياً، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، مما يفتح الباب أمام احتمال أن تكون هذه الدعوة مجرد مناورة سياسية أمريكية.
الهروب من المأزق
بكل الأحوال فإن قول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأنه «حان الوقت للجلوس إلى طاولة التفاوض... وإنهاء حرب اليمن» وتأكيد وزير الدفاع جيمس ماتيس على ذلك، ليست إلّا تعبيراً عن انسداد الأفق أمام تحقيق نصر أمريكي سعودي، حيث أصبحت تكاليف هذه الحرب ونتائجها أعلى من عوائدها، وليس كما تريد واشنطن للأمر أن يبدو وكأنها هي المُنقذ الذي سيحل المعضلة اليمنية. مما يعكس في العمق فشل منطق الحلول العسكرية اليوم، ويؤكد على تغير موازين القوى الدولية، إذ لم تتمكن قوات «التحالف العسكرية»، المدعومة أمريكياً، من السيطرة على اليمن، لذلك فإن حل هذه الأزمة كما سيتيح لليمنيين وضع حد للكارثة الإنسانية نحو إعادة بناء بلدهم، فإنه سيعني أيضاً فشلاً سعودياً جديداً، سيطال مثيله جميع الأنظمة التابعة.