الموكب الهندوراسي يُرعب ترامب
لم تسلم حتى هندوراس، البلد اللاتيني ذو التسعة ملايين نسمة، من التهديدات الأمريكية. موكب هجرة جماعي، ضم آلاف الأشخاص، احتشد عند الحدود المكسيكية، وجهته النهائية الولايات المتحدة الأمريكية... هذا ما حدث في هندوراس، فجعل ترامب يهدد بقطع المساعدات المالية عنها، لتطال التهديدات المكسيك أيضاً، بإغلاق الحدود ونشر الجيش هناك ما لم تتحرك لوقف تدفق المهاجرين.
رغم أن موكب الهجرة الجماعي هذا يعكس مستوىً جديداً من التحرك الشعبي للخلاص والتمرد، ورغم أن أسلوب التهديد والابتزاز المالي يعكس مستوى انحطاط السياسة الأمريكية، لكن المشهد بكليته يشكل نموذجاً عن السياسات الغربية وتدخلها في شؤون الدول: نتدخل في بلادكم وننشر الفوضى والفقر، وندعم الانقلابات العسكرية، ونقدم لكم فتات الأموال، وإن أردتم الهروب سنغلق الحدود في وجوهكم، ونقطع عنكم المساعدات!
لماذا يهربون؟
يقول جاري ديكسون، وهو سياسي من هندوراس، أن المشاركين في موكب الهجرة «لا يبحثون عن الحلم الأمريكي، بل يسعون للهرب من الكابوس الهندوراسي»، حيث 60% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وحيث ترتفع معدلات الفساد والجريمة والمخدرات. ولكن ما الذي أوصل الهندوراس إلى هذا الكابوس؟
بالعودة قليلاً إلى الوراء، ومنذ بداية العام الحالي لم تهدأ الاحتجاجات في هندوراس ضد رفع أسعار المحروقات ورسوم النقل، وللمطالبة بالإطاحة بالرئيس، خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي يتهمونه بتزوير الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني الماضي ونجح فيها بولاية رئاسية ثانية، حيث تتهمه المعارضة بالتورط بقضايا فساد، وتزعم أنه جرى تحويل أموال لدعم حملته الانتخابية عام 2013.
الإطاحة بزيلايا
قبل هيرنانديز تولى، بورفيريو لوبو، منصب الرئاسة في 2010، الذي وصل إلى الحكم نتيجة انقلاب عسكري مدعوم أمريكياً أطاح بالرئيس السابق مانويل زيلايا، الذي لم يلق الدعم الأمريكي نتيجة انضمام بلاده إلى منظمة «البديل البوليفاري» التي تضم دول أميركا اللاتينية التي تحكمها أنظمة يسارية، حيث فقد زيلايا بذلك دعم الطبقة البورجوازية وأثار قلق واشنطن، خصوصاً بعد زيارته لكوبا في 2007، والتي كانت أول زيارة لرئيس هندوراسي إلى هافانا منذ نصف قرن. هذا بالإضافة إلى إجرائه عدداً من الإصلاحات التي صوّت عليها الشعب، مثل رفع الحد الأدنى للأجور والقوانين التي تهدف إلى إصلاح الأراضي. لذلك وبعد الانقلاب العسكري فعلت إدارة أوباما في حينه ما بوسعها لضمان نجاح الانقلاب وإضفاء الشرعية عليه.
دعم فاكوسي
تشير المعلومات أنه ومنذ الانقلاب زادت المساعدات الأمريكية إلى الجيش الهندوراسي، وزادت أيضاً عمليات القتل والقمع ضد المعارضين. تُعتبر منطقة وادي أغوين في الشمال الشرقي من البلاد أكثر المناطق التي حدثت فها عمليات تصفية بحق المعارضين، وفي هذه المنطقة بالذات يكافح صغار المزارعين من أجل الحصول على حقوقهم ضد أحد أغنى مالكي الأراضي في هندوراس وهو، ميجيل فاكوسي، الذي يمتلك استثمارات في المنطقة لإنتاج الوقود الحيوي، وهو قريب من الولايات المتحدة وكان داعماً هاماً لانقلاب عام 2009 ضد زيلايا، حيث تُعتبر قواته الأمنية الخاصة، إلى جانب الجيش والشرطة المدعومين من الولايات المتحدة، المسؤول الأساسي عن العنف السياسي في المنطقة.
وتشير وثائق مسربة أيضاً بأن واشنطن كانت على دراية بأن الرجل ذاته، فاكوسي، الذي تدعمه كان يعمل في تجارة المخدرات، وفي هذا السياق يلخص- دانا فرانك- الأستاذ في جامعة كاليفورنيا والمختص بالشأن الهندوراسي- الأمر، بالقول إن أموال «الحرب على المخدرات» والتدريب الأمريكية تم استخدامها لدعم حرب مهربي المخدرات ضد حركة «كامبيسينو» المعارضة في منطقة أغوين.
إن تبعات ما تسمى «حرب المخدرات» الأمريكية في هندوراس لم تقف عند حدود هذا البلد، بل امتدت أيضاً إلى الجارة المكسيك، وبطبيعة الحال إلى الولايات المتحدة ذاتها، وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن مسؤولين أمريكيين أقرّوا بأن انقلاب عام 2009 في هندوراس فتح الباب أمام عصابات المخدرات.
ارتداد عكسي
عندما دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري في هندوراس عام 2009، أعادت البلاد أدراجاً إلى الوراء وأشاعت بذلك الفقر والجريمة والمخدرات، لكن ذاك الخراب ارتد عليها في نهاية المطاف، لاجئين من جهة، وعصابات مخدرات من جهة أخرى، وهذا ما يحدث لواشنطن اليوم على مستوى العالم، فالأزمات التي خلفتها سياساتها حول العالم ترتد عليها عزلةً وتراجعاً، لكن موكب الهجرة الهندوراسي الذي تحرك لاقتحام الحدود الأمريكية اليوم، ستماثلهُ مواكب جماهيرية أخرى حول العالم هدفها اجتياز الحدود الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية الواهية.