هَذَرٌ بريطاني: الخطر الروسي القادم من ليبيا
لا تهدأ المساعي البريطانية لإدانة روسيا، وآخر من ما ورد في هذا الصدد، هو تقرير نشرته صحيفة «ذا صن» البريطانية، يفيد بأن روسيا تقوم بإرسال قوات وصواريخ إلى ليبيا في محاولة لفرض الخناق على الغرب.
بناءً على التقرير المذكور، انتقل الحدث الليبي إلى واجهة التحليلات الإعلامية، ليس لأمر يتعلق بسعي غربي لحلحلة ما خلفه من فوضى في هذا البلد، بل لتناول الدور الروسي في ليبيا، وتصويره على أنه خطر يتهدد الغرب، إذ يقول التقرير: أن روسيا تهدف إلى تحويل ليبيا إلى «سورية جديدة». فما هي حقيقة الدور الروسي في ليبيا؟ ولماذا يتم تشويه الموقف الروسي من الأزمة الليبية في هذا التوقيت بالذات؟
قاعدة روسية لابتزاز أوروبا؟
تبني الصحيفة البريطانية تقريرها، بناءً على ادعاءات تقول: أن رؤساء مخابرات أخبروا رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الرئيس بوتين يريد أن يجعل من ليبيا «سورية جيدة»، ودليل الصحيفة هو قيام موسكو بنشر سري لقواتها العسكرية في طبرق وبنغازي تحت غطاء الشركة الروسية العسكرية الخاصة «فاغنر». وتزعم الصحيفة بأن صواريخ «كاليبر»، وأنظمة ««S400 الروسية أصبحت موجودة فعلاً على الأراضي الليبية، من أجل دعم خليفة حفتر، زعيم «الجيش الوطني الليبي»، غير المعترف به دولياً. والهدف الروسي من ذلك حسب الصحيفة هو: إنشاء قاعدة بحرية تسمح لموسكو بالتحكم بتدفق المهاجرين غير الشرعيين وابتزاز أوروبا.
ليس مجرد حديث صحفي
لا يبدو أن حديث «ذا صن» مجرد تقرير صحفي يعبر عن رأي الصحيفة، فقد دعا توم توغندهات، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في «مجلس العموم» البريطاني إلى «استجابة حكومية منسقة» لأن «روسيا تريد فتح جبهة جديدة ضد الغرب في ليبيا»، ولأن الأمر «يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي البريطاني».
مما يوحي بأن «الاستجابة الحكومية» في حال تمت، هي إما ستكون على شكل ضغوط دولية جديدة وعقوبات على روسيا تضاف إلى سلسلة ما سبقها من ردود على اتهامات شبيهة بقضية «سكريبال»، أو أنها ستكون موجهة ضد ليبيا بهدف زيادة النفوذ الغربي عليها، وكبح مساعي الحل للحفاظ على حالة الفوضى واستثمارها.
نَفيٌ روسي وتأكيدٌ على الحل
روسيا التي أكدت مراراً دعمها لجهود التسوية الليبية بالطرق السياسية ووفقاً لقواعد القانون الدولي، وصفت بدورها ادعاءات صحيفة «ذا صن» بالهُراء، وأكد رئيس لجنة الشؤون الدولية في «مجلس الاتحاد» التابع للبرلمان الروسي، أن استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد يتطلب موافقة البرلمان، مثلما حدث في سورية وأوكرانيا.
لكن المتابع للتحركات والتصريحات الروسية الأخيرة حول ليبيا يستطيع أن يفهم جدوى الادعاءات البريطانية، فقد سبق نشر التقرير حديث لميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، في المنتدى الدولي «حوار الحضارات»، قال فيه أنه «بسبب سياسات البلدان الغربية القصيرة النظر للغاية، أصبحت ليبيا حصناً للإرهاب». تبع ذلك زيارة وزير الخارجية الإيطالي، إنزو موافيرو ميلانيزي، إلى موسكو لبحث الوضع في ليبيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بعد أن أعلن نية بلاده استضافة مؤتمرٍ دوليٍ حول ليبيا في صقلية الشهر المقبل، في مسعى لإطلاق الحوار بين الليبيين.
إذ أكد لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك: أن انفجار الهجرة إلى أوروبا ظهر نتيجة اجتياح ليبيا من قبل دول «الناتو» دون تفويض دولي، وأن حل المعضلة الليبية يكمن في جمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة دون إملاءاتٍ أو تهديداتٍ خارجية.
ولم تقتصر الرغبة في وجود دور فاعل في الحل الليبي على الجانب الروسي فقط، بل أيضاً من قبل حكومة «الوفاق الوطني» المعترف بها غربياً، والتي أعرب وزير الاقتصاد والصناعة فيها، عن أملٍ ليبي بدور روسي لحل الأزمة وتفعيل سبل التعاون الاقتصادي.
قلقٌ غربي من التعاون النّفطي
من جهة أخرى يبدو أن الغرب قلق من تنامي التعاون الروسي الليبي في مجال النفط، بعد الحديث عن استئناف شركة «غازبروم» الروسية لأعمالها في ليبيا المعلقة منذ عام 2011، ودعوة رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، مصطفى صنع الله، إلى بدء حقبة جديدة من التعاون بين شركات الصناعات النفطية الروسية ونظيرتها الليبية، مشيراً إلى أن الأخيرة تُعوّل على روسيا لزيادة إنتاجها النفطي.
رغم أن صنع الله كشف مؤخراً عن تبادلات تجارية ضخمة لمنتجات نفطية جرت خلال العقد الماضي بين المؤسسة وشركات طاقة روسية. إذ باعت ليبيا خلال السنوات العشر الماضية نفطاً خاماً لشركات روسية بنحو 11 مليار دولار، كذلك استوردت من روسيا منتجات نفطية مكررة.
مصلحة ليبية بالتدخل الروسي
إذاً، الحديث حول العلاقات الروسية الليبية يدور بين الجانبين حول التعاون اتجاه الدفع بالحل السياسي وتفعيل العلاقات الاقتصادية، وليس حول زيادة العسكرة الروسية في ليبيا. لكن المنطق الغربي في العلاقات الدولية لا يفهم سوى نوع واحد من التدخلات، القائمة على الابتزاز ونهب الثروات، لذلك هو يصب هجومه على روسيا انطلاقاً من هذا المفهوم. وانطلاقاً من خوفه خسارة المزيد من مناطق نفوذه وأدواته لتأجيج بؤر التوتر، بما يزيد من مستوى تراجعه وانكفائه، فهو يخشى من دورٍ روسي فاعل وإيجابي في ليبيا.
من مصلحة الحكومة الإيطالية الجديدة إيجاد حل ليبي لضبط حركة الهجرة من السواحل الليبية، بما يتوافق مع توجهاتها، كون إيطاليا هي الجبهة الأمامية، التي تتعامل مع موضوع الهجرة من ليبيا بشكلٍ مباشرٍ. ومن مصلحة روسيا أيضاً الدفع اتجاه الحل الليبي كجزءٍ من استراتيجيتها في إطفاء بؤر التوتر، ووضع حدٍ للفوضى التي يزرعها الغرب في أصقاع العالم، لذلك يبدو المسعى للحل المدعوم من إيطاليا وروسيا، مرجحاً للنجاح.
بغض النظر عن تلك الاتهامات التي أوردتها الصحيفة البريطانية، يمكن القول: إنه ليس من الضرر، بل من مصلحة ليبيا، أن تتعامل معها روسيا كسورية جديدة، إذ يعني هذا سحب الورقة الليبية من الغرب والكوارث التي يتسبب بها، ويعني انخراط روسيا في العمل لمحاربة الإرهاب جدّياً، ورعاية حلٍ سياسي قائمٍ على القوانين الدولية، يضمن وحدة البلاد، ويقوم على التعاون من أجل المنفعة المتبادلة.