شهادة بومبيو والاستثمار في أوجاع اليمنيّين
عليا نجم عليا نجم

شهادة بومبيو والاستثمار في أوجاع اليمنيّين

بعد أربع سنوات من الحرب المستمرة والحصار الذي تمارسه قوات «التحالف العربي» على اليمن، الأمم المتحدة تعلن خسارة معركتها مع المجاعة هناك، وتؤكد أنه بسبب الجوع أصبح الوضع قريباً من الهلاك الجماعي للناس.

الأدلة ليست مطلوبة في هذه القضية، لإثبات تورط الأمريكان في هذه الحرب الكارثية، التي تقودها السعودية، فالسلوك السعودي المعهود لا يحيد عن الرضى الأمريكي، رغم ذلك فإن الورقة التي سربتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، والتي تشير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قدم شهادة زور أمام الكونغرس عندما أكد: أن «التحالف العربي» متمسك بحماية المدنيين في اليمن، وذلك حرصاً منه على صفقة تسليح بمبلغ ملياري دولار مع السعودية والإمارات، كشفت عن أبشع فصول تواطؤ الأمريكيين في هذه الحرب.
عجز أم تواطؤ دولي؟
الصحيفة ذكرت أيضاً: أن معظم خبراء الخارجية الأمريكية دعوا بومبيو إلى الإقرار بعدم بذل «التحالف» الجهود الكافية لحماية المدنيين، ليس إقراراً بالحقائق، بل لأن ذلك «يُضر بسمعة الخارجية والكونغرس الأمريكيين»، وحثوه على مواصلة الدعم العسكري لـ«التحالف» لأن ذلك « يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكية».
الأمم المتحدة من جانبها، ورغم «الدراما» التي تمارسها، فيما يخص الكارثة الإنسانية في اليمن، لم ترتق في سلوكها على الأرض إلى مستوى الحدث، الذي لا يختلف بكثير عن السلوك الأمريكي.
وربما أوضح مثال على ذلك، هو: تراجعها عن تنفيذ اتفاقية الجسر الجوي الطبي، التي وقعتها مع وزير خارجية حكومة الحوثيين هشام شرف، بهدف إجلاء المرضى من أصحاب الحالات الحرجة إلى الخارج لتلقي العلاج، لكن معارضة قوات «التحالف» وحكومة «الإنقاذ الوطني» حالت دون ذلك.
من جهة أخرى يقول، مارك لوكوك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: أن الأغذية في البلاد كلها مستوردة تقريباً، الأمر الذي «يقود مباشرة إلى ارتفاع حاد لأسعار المواد الغذائية بالنسبة لحوالي عشرة ملايين يمني يعانون من سوء التغذية، لكنهم يبقون خارج نطاق العملية الإغاثية». كما أن 22 مليون يمني، أي: 75% من عدد سكان البلاد، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
إذ أن الأمم المتحدة عاجزة حتى عن اتخاذ أبسط الإجراءات التي يمكن أن تتخذ في ظل كارثة إنسانية كهذه، من إيصالٍ للمساعدات وإجلاءٍ للمرضى، وعجزها هذا ناجم عن ارتهانها للمصالح الأمريكية السعودية، وتورطها في الاستثمار بأوجاع اليمنيين وجوعهم.
مكابرة سعودية
تستمر السعودية في تورطها في الموقف المعلن بمحاربة التواجد الإيراني في اليمن، ورغم استعصاء المعركة، تأبى الرياض الاعتراف بالفشل، باحثة عن نصرٍ ما، يعيد لها اعتبارها، ويبرر حصارها وقتلها المستمر لليمنيين.
ويبدو أن الفشل في حسم المعركة عسكرياً يدفعها إلى تصعيد الكارثة الإنسانية في محاولة الضغط على جماعة «أنصار الله»، فاستعصاء المعركة في مدينة الحديدة، وتحديداً في منطقة «الكيلو 16»، دفع قوات التحالف إلى استقدام تعزيزات كبيرة إلى جبهة ميناء الحديدة الإستراتيجي، بالإضافة إلى أفراد ممن يسمون قوات «العمالقة»، ما نجم عنه استهداف مخازن الغذاء العالمي في المدينة، وأعاق وصول المساعدات الإنسانية، حسب الأمم المتحدة.
لم يعد باستطاعة السعودية الاستمرار أكثر في هذه الحرب مع وصول الكارثة الإنسانية إلى هذا الحد، ومع ارتفاع التكلفة المادية لها، وخاصة في ظل ما تعانيه المملكة من ضغوطٍ داخلية، حيث أشار تقرير نشره معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأوسط» أن الرياض تنفق ما يقدر بـ 5 إلى 6 مليارات دولار شهرياً مقابل هذه الحرب. بالإضافة إلى استمرار تعرضها لصواريخ «أنصار الله» الباليستية، والتي بلغت حتى الآن 196 صاروخاً. لذلك هي تحاول اليوم التسريع في حسمها، مما يسرع من معاناة اليمنيين.
هل تنجح المساعي للتسوية؟
كانت قد تعطلت جهود عقد مباحثات في جنيف بين جماعة «أنصار الله» وحكومة «الإنقاذ الوطني» وكان من المفترض أن تبدأ في جنيف 6 أيلول الجاري، بسبب عدم تمكن وفد «أنصار الله» من مغادرة صنعاء. يحاول المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، إحياء العملية التفاوضية من خلال لقاءاته مع جميع الأطراف، التي قد تشكل فرصة للخلاص من الاستعصاء الحاصل بالنسبة للجميع في ظل عدم القدرة على حسم المعركة عسكرياً.
ليبقى خلاص اليمنيين الحقيقي بتحررهم من أمريكا والسعودية والأمم المتحدة والمنظمات و«المساعدات الإنسانية»، التي ساهمت جميعها في التسبب بأزمة وصفت بأنها الأكبر على مستوى العالم.