الـ «فوستوك» المرعب!
لم يعد خافياً على أحد التغير في موازين القوى العالمية لصالح الدول الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين. فالكم الكبير من المعطيات المتوالية والمتسارعة يثبّت حقيقة هذا التغير يوماً بعد يوم. جديد هذه المعطيات هو: ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية عن القيام بأكبر مناورات عسكرية في تاريخ روسيا الحديث.
عتزم روسيا إجراء مناورات حربية ضخمة في البحر المتوسط، وذلك في 11 أيلول الجاري، وستستمر هذه المناورات 4 أيام وسيشارك فيها حوالي 300 ألف جندي. هذه المناورات التي أطلق عليها اسم «فوستوك 2018» والذي يعني «شرق» باللغة الروسية، ستشهد تعاوناً عسكرياً بين روسيا والصين ومنغوليا، في إشارة واضحة لمدى تعمق العلاقات بين دول الشرق عموماً، وبين القوتين الأبرز؛ روسيا والصين خصوصاً.
تفاصيل هذه التدريبات
أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها في 30/8/2018 أن المناورات ستجري بمشاركة 25 سفينة وسفينة إسناد تابعة للأسطول الشمالي وأساطيل بحر البلطيق والبحر الأسود وبحر قزوين، كما ستشارك في الجزء الجوي من المناورات نحو 30 طائرة تابعة للطيران بعيد المدى وطائرات النقل العسكري وطائرات البحرية، منها طائرات «تو-160» الإستراتيجية الحاملة للصواريخ، وطائرات «تو-142إن كا» و«إل-38» لمكافحة الغواصات، والمقاتلات «سو-33» وطائرات «سو-30 إس إم» التابعة للبحرية.
كما وصرح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بأن نحو 300 ألف عسكري، و36 ألف دبابة ومدرعة، وأكثر من ألف مروحية وطائرة مسيرة ستشارك في مناورات «فوستوك-2018». وبموجب خطة المناورات، ستتدرب القوات المشاركة فيها على تنفيذ مهام تتعلق بالدفاع الجوي ومكافحة الغواصات والعمليات التخريبية، إضافة إلى مكافحة الألغام.
الصين وروسيا والرعب الغربي
أعلنت الصين أنها ستشارك في تدريبات «فوستوك-2018» بنحو 3200 عسكري وأكثر من 900 قطعة من أنواع مختلفة من المعدات والتجهيزات الأرضية بالإضافة إلى 30 قطعة جوية، من بينها طائرات ذات جناح ثابت ومروحيات.
التعاون الروسي الصيني في المجال العسكري ليس جديداً، فقد أصبحت المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين طقساً سنوياً، فقد كان هنالك تدريبات بحرية منذ عام 2012. ولكن ما يميز هذا التعاون اليوم، هو: أنه الأوسع نطاقاً منذ ذلك الحين. فالصين وروسيا اللتان كانتا محطّ تهديدات دائمة للولايات المتحدة الأمريكية، تثبتان مجدداً أن كلّ محاولات التهديد والتنديد وفرض سياسة العقوبات والضغوط الاقتصادية لم تزدهما سوى وحدةٍ وتماسكٍ. وقد عبرت عن ذلك وزارة الدفاع الصينية بإصدارها بياناً يتناول تعميق التعاون العسكري و «تعزيز قدرات الجانبين من أجل مواجهة مشتركة لمختلف التهديدات الأمنية».
ميزان القوى نحو المزيد من التثبت
لم تبدأ حكاية الشرق العظيم عند «فوستوك-2018»، فصفقة صواريخ «s-400» التي تمت بين روسيا وتركيا تحت وبيلٍ من التهديدات الأمريكية، والخلاف الأمريكي-التركي، والتعاون التركي- الإيراني، واتفاقية بحر قزوين، والكثير من المعطيات العالمية تؤكد مجدداً حقيقة: أن ملامح العالم القديم قد تغيرت كلياً، وباتت ملامح وجه العالم الجديد واضحة وضوح الشمس، وكما هو معروف في قواعد اللعب السياسية، فإن المأزوم يتصدع، والمنتصر يتماسك، وهذا ما تشهد عليه تطورات الأحداث عالمياً. ومن هنا يمكننا تفسير هذا التماسك الذي يحدث في بلدان الشرق، بمقابل التصدع والانقسامات التي تحدث في الإدارة الأمريكية وفي الدول الأوروبية.