ميزانية الدفاع الأمريكية 2019: استكمالٌ للتراجع
يزن بوظو يزن بوظو

ميزانية الدفاع الأمريكية 2019: استكمالٌ للتراجع

اعتمدت واشنطن قانون ميزانية دفاعية جديدة لعام 2019 وحجمها 717 مليار دولار، وقع عليها دونالد ترامب في 13 من الشهر الجاري في قاعدة «فورت درام» العسكرية الأمريكية، لتكون أكبر ميزانية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث، دون حساب نسبة التضخم.

يزيد قانون الميزانية الدفاعية الأمريكية الجديد عن سابقه بنسبة 3%، أي: نحو 20 مليار دولار، ويتضمن زيادة عدد أفراد الجيش بنحو 16 ألف فرد، وزيادة الرواتب بنحو 2,6%، وقد خُصصت 40 مليار دولار لتحديث القوات الجوية، و65 مليار على تصميم رؤوس نووية صغيرة للغواصات، وعدة تفاصيل أخرى.

ما خلف القانون؟
قبل أن نناقش تفاصيل القانون «النظرية» وآثاره «العملية» على الصعيد الدولي، فلنناقش بالإضافة إلى حجم الميزانية، توقيته والظروف السابقة له. عسكرياً: تم استكمال عملية ضرب التفوق العسكري الأمريكي، مع الإعلان بداية هذا العام عن أنواع جديدة من الأسلحة تمتلكها روسيا، ليس لها مثيل، ولا تستطيع المضادات الأمريكية التصدي لها. اقتصادياً: الصين تواصل صعودها لتصبح في مراكز متقدمة من أكبر اقتصادات العالم اليوم، وتمتلك أكبر عدد من السندات الأمريكية. سياسياً: دول «البريكس» مجتمعة تشكل حلفاً إستراتيجياً يمتلك من المقومات ما يجعله يسرّع من تغيّر في موازين القوى الدولية، وأكثرها حساسية «الدولار»، بعد أن صنعت صندوقها الخاص، ووقعت على اتفاقيات للتبادل الاقتصادي بعملاتها المحلية أو الذهب، بالإضافة إلى توجّه دول أخرى غير أعضاء للتبادل معها بالعملة المحلية كإيران وتركيا وغيرها.

الأمور في حركتها
إن كُل ما سبق ذكره مجتمعاً يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بين يومٍ وآخر من تفجّر فقاعتها الاقتصادية، والدخول في أزمة مزمنة داخلياً وخارجياً مع جميع دول العالم، الأمر الذي تدركه إدارتها وسيناتوراتها أكانوا عقلانيين أم متشددين، لتكون ربما هذه فرصتهم الأخيرة التي باستطاعتهم أن يرفعوا من خلالها ميزانية دفاعهم ضمن «سباق التسلح» لتوسيعها وتحسينها ما أمكن، قبل أن يبدأ العجز فعلياً وبصورة غير قابلة للمناورة، كخطوة استباقية بشكل أساس لتردع وتخفف من حجم وثقل الضغط المتزايد محلياً ودولياً، فلا نستغرب مثلاً أن تكون الميزانية القادمة بقيمة نصف هذه بأحسن الأحوال، وتحت شعار «انتصار» قد يكون «حققنا ما نريد، ولا حاجة للإسراف أكثر»، فهو التراجع ذاته: المُنهزم يريد حماية نفسه ما استطاع، ولا فرصة للهجوم.
باسم الحماية

 من روسيا، يُبتز الحلفاء
ينص القانون الجديد على عدد من الإجراءات لردع روسيا، منها: أن يحظر توريد المقاتلات الأمريكية «إف 35» لتركيا بعد أن قامت الأخيرة بشراء منظومات s400»» الروسية للدفاع الجوي، ما يعني: زيادة في التوتر بين البلدين وارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة التركية، وأن تنفق الولايات المتحدة 6,3 مليار دولار على تعزيز حضورها العسكري في أوروبا لمساعدة الحلفاء في الناتو على «التصدي للخطر الروسي» أي: ضغط عسكري على «الحلفاء» من محاولات تهرّبهم من استحقاقاتهم الاقتصادية على الناتو، إضافة إلى عرقلة تلك التوجهات الأوروبية المختلفة التي تتقارب مع روسيا والصين اقتصادياً.

للصين حصّتها، والمستهدف بالداخل
 يتضمن القانون أيضاً منع المؤسسات العسكرية شراء واستخدام تكنولوجيا الاتصال الصينية التي تنتجها شركتا«ZTE»  و«هواوي» الصينيتان، هذه الخطوة يمكن وصفها بالاستعراضية والإعلامية، فالسوق الأمريكية بالنسبة للصين شبه مغلقة بسبب العقوبات والعرقلات، إلا أنّه مؤخراً ومع كل التغيرات الحاصلة، شرع بعض رجال الأعمال داخل أمريكا نفسها إلى التقارب مع الصين والاستيراد منها وبشكل رئيس من هاتين الشركتين، الأمر الذي يتعارض مع خطة ترامب المحلية عموماً بزيادة مستوى الإنتاج الأمريكي.

التوافق فرضاً
بتياريهما، عقلانيين ومتشددين، تم التوافق بنسبة تزيد عن 90% ضمن إدارة البيت الأبيض على هذا القانون الجديد بحجمه الاسمي وتفصيلاته كٌلٌ حسب رؤيته، للعقلانيين لما يشكله من حماية لأمريكا داخلياً بمواجهة حلفائها الدوليين قبل أعدائها، وللمتشددين لما لديهم من وهم بأن هكذا قرار سوف يحمي ريع أمريكا خارجياً ويزيده، ولكن في النهاية، سوف يكون للشعب الأمريكي رأيٌ يقوله مع بدء العمل بالقانون وبهذه التكاليف على حساب معيشته ومستوى بطالته، قد لا يتوافق مع أيّ من التيارين ليخرج بواحدٍ آخر جديد إن عاجلاً أم آجلاً.