ما الذي يحدث في نيكاراغوا؟
تشهد نيكاراغوا منذ ثلاثة أشهر أزمة سياسية، وحركة احتجاجية وصفت بأنها الأعنف في البلاد منذ عقود، حيث قتل خلالها أكثر من 280 شخصا وجرح حوالي ألفين آخرين.
فيما تشير الأخبار والتحليلات في معظم وسائل الإعلام إلى أن الأمر هو عبارة عن حركة احتجاجية تقودها المعارضة ضد الفساد والقمع، فإن بعض التحليلات تشير إلى أن حقيقة الأمر هي شيء مغاير. فما الذي يحدث حقيقةً في نيكاراغوا؟
احتجاجات أم تدخل خارجي؟
اندلعت الاحتجاجات في 18 أيار الماضي بعد طرح قانون لتعديل نظام الضمان الاجتماعي، وعلى الرغم من سحب الحكومة لهذا المشروع، إلّا أن الاحتجاجات وأعمال العنف استمرت في البلاد مطالبة برحيل الرئيس دانييل أورتيغا، الذي رفض بدوره الاستقالة، مؤكداً أنه باقٍ في السلطة حتى انتهاء ولايته سنة 2021.
يقود الاحتجاجات «التحالف المدني للعدالة والديمقراطية» المعارض، والذي يضم جمعيات مختلفة وممثلين عن قطاعات عدة. في المقابل فإن الأحداث الأخيرة شهدت أيضاً مظاهرات مؤيدة للحكومة وحزبها الحاكم «جبهة ساندنيستا» المعروفة بمواقفها المناهضة للسياسات والتدخلات الأمريكية، وكانت الجبهة قد تولت سابقاً زمام السلطة في البلاد عام 1979 ومن ثم خسرتها عام 1990، لتعود إليها عام 2006 مع فوز دانييل أورتيغا رئيساً للبلاد حتى الآن.
ولأن لنيكاراغوا كما دول أخرى في أمريكا اللاتينية تاريخ طويل من التدخلات الأمريكية، فإن الاحتجاجات الأخيرة التي تقودها المعارضة المدعومة غربياً ضد الحكومة غير المرضي عليها أمريكياً، قد لا تبدو كما الصورة الوردية التي تصورها معظم التحليلات الإعلامية. وخاصة أن بعض الأخبار الواردة من هناك وبعض التحليلات تقول: أن الكثير من الأخبار تحمل طابعاً تضليلياً ومفتعلاً، بالإضافة إلى دور تلعبه المنظمات غير الحكومية في تمويل ودعم الاحتجاجات، مما يتفتح الاحتمالات أمام أن تكون نيكاراغوا مستهدفة بالفعل.
لماذا نيكاراغوا؟
إن سياق الأحداث في أمريكا اللاتينية، وتاريخ نيكاراغوا تحديداً، وسياسات حكومتها قد يعزز هذه الفرضية.
حيث سعت الولايات المتحدة للسيطرة على نيكاراغوا منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما سعت المعارضة المتحالفة معها للعودة إلى السلطة منذ وصول «الساندنيستا» إليها.
وكان ملفتاً ما حققته الحكومة في نيكاراغوا من رفع في مستويات المعيشة خلال السنوات العشر الأخيرة، وتمويل أكثر من 75% من طاقتها من مصادر متجددة. هذا بالإضافة إلى موقفها الرافض باستمرار للسياسات الأمريكية، من خلال التحالف مع كوبا وفنزويلا والدعوة إلى حل سلمي للأزمة الكورية. كما أن نيكاراغوا عضو في التحالف البوليفاري للأمريكتين ومجتمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، الذي لا يضم الولايات المتحدة وكندا، والبديل اللاتيني لمنظمة«OAS» الأمريكية. كما تحالفت مع الصين في مشروع القناة المقترح، ومع روسيا من أجل التعاون الأمني المشترك.
لكل هذه الأسباب، قد ترغب الولايات المتحدة فعلاً في إنشاء حكومة نيكاراغوية صديقة لها كبديل عن الحكومة القائمة، وكنوع من إيجاد نقاط ارتكاز لها في أمريكا اللاتينية.
ولواشنطن سوابق في الضغط على الحكومة في نيكاراغوا، ففي عام 2017 صادق مجلس النواب الأمريكي بالإجماع على قانون شرط الاستثمار النيكاراغوي (NICA)، والذي إن وافق عليه مجلس الشيوخ فسوف يجبر الحكومة الأمريكية على رفض القروض المقدمة من المؤسسات الدولية إلى حكومة نيكاراغوا.
لقد استطاعت الحكومة النيكاراغوية تطبيق نموذج اقتصادي اجتماعي خاص، حققت من خلاله رفعاً في مستويات المعيشة للأغلبية الفقيرة في البلاد، لذلك يرى البعض أن الأقلية المالية المتحالفة مع واشنطن، والتي فشلت في تثبيت السياسات النيوليبرالية عن طريق الانتخابات هي تسعى اليوم إلى إقالة الرئيس، وإشاعة الفوضى في بلد يقع وسط القارة المستهدفة منذ عقود.