البريكست (القاسي)
عليا نجم عليا نجم

البريكست (القاسي)

«حلم البريكست يموت»، هكذا وصفه بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني الذي قدم استقالته احتجاجاً على فحوى «الورقة البيضاء» التي قدمتها تيريزا ماي كخطة لمفاوضات الانسحاب مع الاتحاد الأوروبي، خطة عمادها الحفاظ على روابط اقتصادية وثيقة مع الاتحاد.

جونسون رأى في الخطة أيضاً مقدمة لتحويل بريطانيا إلى مستعمرة للاتحاد الأوروبي، وهو ليس وحده من استقال بل أيضاً ديفيد ديفيس، الوزير المكلف بملف بريكست، معتبراً أن الخطة ستمهد لسيطرة الاتحاد الأوروبي على قطاعات واسعة من الاقتصاد البريطاني.
بريكست سلس أم قاسي؟
خطة بريكست الجديدة والتي لاقت اعتراضات واسعة داخل البرلمان، كشفت عن انقسامات داخل حزب «المحافظين» الحاكم بين دعاة «بريكست قاسي» و«بريكست سلس»، يرى البعض أنها قد تفضي إلى أزمة حكومية قد تطيح برئيسة الوزراء. وهو ما يعكس صعوبة الموقف البريطاني بين ضرورات تطبيق البريكست والخروج من الاتحاد الأوروبي في سبيل الخلاص من تبعات أزمته الاقتصادية المتصاعدة منذ عام 2008 - وهو ما صوت عليه 52% من الشعب البريطاني إيجاباً- وصعوبة الانفكاك نتيجة للارتباطات الاقتصادية العميقة مع الاتحاد، ودورها المالي ضمن المنظومة الرأسمالية القائم منذ عقود مضت.
عناوين الخطة والشبكة المالية
فالقطاع المالي البريطاني اعتبر أن خطة بريكست التي وضعتها الحكومة «ضربة حقيقية» لهذا القطاع المهم في لندن، لأنها تضر بالوظائف وعائدات الضرائب والنمو، كونه يمهد لعلاقات تجارية أقل قرباً مع أوروبا. وتُقدر الأصول التي تتم إدارتها في بريطانيا لحساب عملاء أوروبيين بحوالي 1.4 تريليون جنيه إسترليني أي ما يعادل (1.85 ترليون دولار)، كما تجري في المنطقة المالية في لندن معظم تعاملات الاتحاد الأوروبي للبنوك وشركات التأمين.
المفاوضات المتعثرة مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق البريكست تقوم على ثلاثة محاور وهي التسوية الجمركية، وإدارة حدود البلاد، والحدود الايرلندية. أما الفكرة المركزية التي تقوم عليها الخطة الحكومية الجديدة بشأن العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب هي إنشاء «منطقة تجارة حرة للبضائع»، وإنشاء «قواعد مشتركة للمنتجات الصناعية والزراعية». كذلك تتيح الخطة لبريطانيا إمكانية توقيع اتفاقيات تجارية خاصة بها، ووضع حد لتنقل الأشخاص، وعدم الالتزام بقرارات محكمة العدل الأوروبية.
«منطقة التجارة الحرة» مع الاتحاد الأوروبي لم تعجب الإدارة الأمريكية، ورئيسهم ترامب، معتبراً أن خطة ماي ستقتل على الأرجح إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، واصفاً الأمر بأنه مختلف كثيراً عن البريكست الذي صوت عليه الشعب. الموقف الذي عبر عنه ترامب يعكس إلى درجة كبيرة السلوك الأمريكي مع «حليفه» الأوروبي، فالتراجع الأمريكي يستدعي من مصلحتهم مزيداً من الانقسامات في التكتلات الكبرى، وخاصة مع تنامي الشرخ في هذا التحالف، وهو ما عبر عنه ترامب قائلاً: « في الواقع، لقد أخبرت تيريزا ماي كيفية فعل ذلك، لكنها لم توافق، لم تستمع إلي. لقد أرادت أن تسلك طريقاً مختلفاً».
سيناريوهات الخروج
الاتحاد الأوروبي بدوره لا يريد خروج بريطانيا، أي يريد خروج بالحد الأدنى، وبالتالي هذا الواقع يمهد لسيناريوهات عدة:
- «بريكست سلس» وهو ما يعتبره مناصرو الانسحاب بريكست هزيل، أي تبعية لأوروبا لأن ثلثي الاتفاقيات ستبقى مثل ما هي وخاصة فيما يتعلق بالجمارك. هذا السيناريو سيمهد لتعمق الانقسامات داخل التكتل الحاكم، وربما الإطاحة برئيسة الوزاء تيريزا ماي، التي حذرت من صعود جيرمي كوربن وحزب «العمال» اليساري كبديل عن «المحافظين» اذا ما قام المحافظين بنزع الثقة عنها.
- الخروج دون اتفاق، وهو ما هددت به تيريزا ماي الاتحاد الأوروبي في حال لم يغير موقفه من مقترحات بلادها، ولكن هذا السيناريو يعني تعرض بريطانيا لمحاكمات قضائية من الاتحاد الاوروبي، ورفع فاتورة البريكست المقدرة حتى الآن بـ 40 مليار يورو، أي ضغوط مالية واقتصادية إضافية على لندن.
- تمديد المفاوضات وتأجيل موعد البريكست المقرر في شهر آذار عام 2019 أي تعقيد إضافي للمفاوضات، وربما صدق نبوءة جونسون الذي حذر فيها من بريكست «سلس ومذل وبلانهاية».
يرى مناصرو «البريكست القاسي» بأن «البريكست السلس» خياراً أسوأ من اللابريكست، سيحول حلم استعادة السيطرة على الحدود والقوانين والأموال البريطانية إلى كابوس من التبعية الأوروبية. وهو تخوف محق، فالاستقلال يتطلب ما هو أعمق من مجرد انسحاب، يتطلب تغييراً يطال بنية البلاد الاقتصادية بما يسمح بالانفكاك من تبعية رأس المال وأزماته...