أردوغان والانتخابات والإعلام
جرت يوم الأحد الموافق لـ 24/6/2018 الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، التي كان من المفترض حدوثها في عام 2019، لكن تم إجراؤها مبكراً بسبب دعوة أردوغان بأغلبية تحالفه البرلماني لها في جوٍّ إقليمي ساخن، وتركي داخلي أكثر سخونة.
كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية وصول أردوغان إلى الرئاسة دون الحاجة إلى جولة ثانية، وذلك بعد بلوغه عتبة الـ50%، فيما حصل تحالفه الانتخابي على نسبة تقارب 55% ضامناً بذلك الأغلبية البرلمانية.
فيما هو معلن
إن المحصلة النهائية التي يمكن تأكيدها بعد مراجعة نسب وحصص الكتل والأحزاب في البرلمان الجديد تشير إلى تراجع شعبية «العدالة والتنمية» حصراً، والأحزاب التقليدية عموماً، وذلك مقارنةً بنسب الأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب والتيارات في الانتخابات الماضية.
هنا نريد أن نشير إلى نقطة أساسية وهامة فيما يخص الانتخابات التركية، وهي تضارب واختلاف النسب المنسوبة لهذا الحزب أو ذاك بين ما هو معلن من قبل مختلف وسائل الإعلام، ولكن ما يمكن التأكيد عليه هو التالي:
أولاً: تحالف «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية» حصل على نسبة تتراوح بين 50 الى 53% من الأصوات أي: دون تغيير جدي في نسبة هذا التحالف عن الانتخابات السابقة.
ثانياً: حزب «العدالة والتنمية» منفرداً حصل على نسبة تقل عن 43% من الأصوات بينما حصل في الانتخابات الماضية على نسبة تزيد عن 46%.
ثالثاً: تحصل الحزب «الجمهوري» مع حلفائه على ما يزيد عن 32%، فيما حصل الحزب نفسه على نسبة تفوق الـ25% من الأصوات بينما حصل في الانتخابات الماضية وحده على نسبة تزيد عن الـ 30%.
رابعاً: تحصّل حزب «الشعوب الديمقراطي» على نسبة تزيد عن 11%، دون أيةِ تحالفات جديّة، ليكون بذلك ثالث حزب منفرد من حيث نسبه في الأصوات بعد «العدالة والتنمية» والحزب «الجمهوري»، بزيادة عن الانتخابات الماضية التي حصل فيها على حوالي 8% من الأصوات.
إن دور وسائل الإعلام، ولاسيما التركية الحكومية منها، لم يقتصر على التشويش على النتائج فحسب، بل حتى قبيل وأثناء الحملات الانتخابية، إذ كانت تذاع خطابات أردوغان كاملة فيما يتم تجاهل بقية المرشحين الآخرين كلياً، كما ولم تقم بإجراء مناظرة تلفزيونية مباشرة بين المرشحين، أو إجراء مقارنات جدية وحقيقية بين برامجهم رغم دعوة الكثير منهم إلى ذلك، ولكن رفض أردوغان حال دون ذلك، وعليه نقول: إن الانحياز الكامل والتام لوسائل الإعلام التركية، أو التركية الناطقة بالعربية لأردوغان وحزبه، يمكن أن يعتبر تلك المشكلة الجدية التي تحجم الوزن الحقيقي للأحزاب التي يمكن أن تكون منافساً جدياً لـ«العدالة والتنمية».
في دور الإعلام
إن تركيا تعد من تلك الدول المفتاحية في منطقة مفتاحية دولياً، بالتالي ما يجري في تركيا لن يكون تركياً فقط بل له امتدادات إقليمية وإطلالات دولية، ودرجة الاستقرار في هذه الدول وفي هذه المنطقة يعكس بدرجة جيدة الصراع الدولي.
بالاستناد إلى ما ذكر يمكن تفسير حصول أربع انتخابات تركية برلمانية خلال السنوات السبع الماضية، والتي تعكس في واقع الأمر حالة اللااستقرار والتذبذب الدولي أولاً، والإقليمي ثانياً، والتركي ثالثاً، والتي هي بطبيعة الحال مفتوحة على كل الاحتمالات.
بالعموم يمكن القول: إن الانتخابات التي قد تكون الشكل الأرقى لتقييم آراء الشعوب، والسير نحو ما تهوى، لا يمكن اعتبارها دوماً انعكاساً دقيقاً وموضوعياً لآراء هذه الشعوب التي تنتخب، فهتلر ونابليون الثالث وصلوا إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات. أي: يمكن اعتبار الانتخابات أداة سيئة في الكثير من الأحيان لتحوير وتغييب رأي الشعوب ما لم تتم صياغة منهج إعلامي واضح ومتوازن على أقل تقدير في التعامل مع مختلف المرشحين، بالإضافة إلى قانون انتخابي يحيّد سلطة المال وجهاز الدولة في التأثير على الانتخابات.
وفي الانتخابات التركية الأخيرة، يبدو أن أردوغان، وحزبه «العدالة التنمية» قد استند بشكل كبير في انتخاباته الأخيرة على تأجيج الشعور القومي للأتراك، من خلال العدوان العسكري الأخير ضد الأكراد في سورية، والتحالف مع «الحركة القومية» اليمينية.
فاز أردوغان وحزبه مجدداً بالحكم، ولكن هذه الفوز لا يمكن اعتباره سهلاً، بل هو فوز قلق، في ظل الضغوطات التي تحيط بأنقرة، سواء اقتصادية داخلية مرتبطة بانخفاض قيمة العملة، أو خارجية متعلقة بتحقيق التوزان الصعب بين العلاقات مع الغرب والتهديدات الأمريكية، والعلاقات مع روسيا وما يرتبط بها من مشروع «السيل التركي» للغاز ومنظومة «إس 400» التي تزعج واشنطن.