رحلة البحث عن نصرٍ في اليمن!
تُشكل المعركة الجارية حالياً في مدينة الحديدة منعطفاً جديداً في الأزمة اليمنية، حيث تشن قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مدعومةً من «قوات التحالف» هجوماً عنيفاً على المدينة بهدف السيطرة على مينائها، ما يعتبره التحالف في حال تم، نقطة تحول في حربه المستمرة منذ ثلاث سنوات.
تسعى كلٌ من خلال العدوان الجديد السعودية والإمارات ومن معهما في التحالف ضد اليمن، إلى مقارعة ما يسمونه النفوذ الإيراني في المنطقة، ويبدو أنهم في الحديدة يبتغون تحقيق انتصار مدوٍّ يغير من إيقاع الحرب الرتيب، التي طال أمدها وازداد عدد ضحاياها، وعكست محدودية قدرات التحالف العسكرية على تحقيق فارق نوعي في المعركة، أو أي انتصار جدي ضد جماعة «أنصار الله» هناك.
قوات أجنبية داعمة
هذا الواقع استدعى وجود دعم غربي مباشر من خلال وجود قوات على الأرض لمساندة التحالف في المعركة، والحديث يدور هنا عن قوات أمريكية وفرنسية، ورغم أن هذا الأمر تحدث عنه البنتاغون سابقاً وتناقلته وسائل إعلام فرنسية حالياً، إلّا أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، نفى وجود قوات فرنسية على الأرض في معركة الحديدة، قائلاً: بأن مشاركتهم تنحصر في الأمور التقنية، مثل: المساهمة بإزالة الألغام.
قطع بحرية إيرانية
على الجانب الآخر، جددت إيران نفيها تقديم السلاح للحوثيين في اليمن مؤكدة أن مساندتها لهم هي سياسية واستشارية فحسب، وبالتزامن مع تطورات الحديدة، وفي تطور نوعي بعد ساعات من بث التحالف العربي لأول مرة صوراً لأسلحة زعمت أنها إيرانية الصنع وصلت إلى الحوثيين عبر ميناء الحديدة، أعلنت البحرية الإيرانية إرسالها حاملة مروحيات ومدمرة حربية في مهمة تشمل خليج عدن ومضيق باب المندب، ورغم أن إيران تؤكد دوماً أنها تهدف من مثل تلك الإجراءات إلى حماية الخطوط التجارية، إلّا أن إرسال هذه القطع البحرية في هذا التوقيت بالذات لابد يحمل رسائل إيرانية مفادها أنها قادرة على حماية مصالحها ضد أي تهديد.
السيطرة على مطار الحديدة
في تطورات المعركة أعلن الجيش اليمني المدعوم من التحالف العربي سيطرته على مطار الحديدة الواقع في جنوب المدينة، والذي كان يخضع لسيطرة جماعة «أنصار الله» منذ عام 2014، ويحظى المطار بأهمية استراتيجية كونه يبعد أقل من 10 كيلومترات عن ميناء المدينة الاستراتيجي، ثاني أكبر موانئ اليمن، والذي تزعم قوات التحالف أنه بالسيطرة عليه ستمنع الحوثيين بشكل كامل من الحصول على «الأسلحة الإيرانية».
الميناء لا يزال تحت سيطرة «أنصار الله»، وتطالبهم قوات التحالف بالخروج منه مقابل إدارته من قبل الأمم المتحدة. وسائل إعلام تناقلت بدورها معلومات تشير إلى أن الحوثيين ألمحوا إلى أنهم سيقبلون بسيطرة الأمم المتحدة الكاملة على إدارة ميناء الحديدة وعمليات التفتيش فيه. وفي هذا السياق قال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى أنه هنالك اجتماعات بناءة له تجري مع جميع الأطراف قد تفضي إلى اتفاق ولكنه لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهود.
تحذيرات من كارثة إنسانية
الأمم المتحدة أيضاً حذرت من تداعيات العملية العسكرية على الحديدة، وأثرها على حياة مئات الآلاف من المدنيين، وأشارت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي، إلى أنه في حال تم تعطيل إيصال الدعم الغذائي هناك، فإن ذلك سيعرض حياة نحو مئة ألف طفل للخطر.
هذه التحذيرات وتفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن هو ما قد تخشاه قوى الغرب من وضع ثقلها العسكري وبشكل واضح إلى جانب قوات التحالف في الحرب ضد «أنصار الله»، كما أن السيطرة على ميناء الحديدة لا تعني بالضرورة انتهاء المعركة، حيث يبدو أن جماعة «أنصار الله» قادرين على الاستمرار في القتال، وإذا كان الهدف إعلان هزيمة إيران، فإن الإشارات القادمة من طهران لا توحي بأنها لقمة مستساغة. هذا ليس كل شيء، فالسعودية والإمارات وأمريكا وفرنسا وجميع قوى الحرب أصبحت تدرك اليوم أن الحلول العسكرية مع التوازنات الجديدة ليست محكومة بالانتصار، وعليه فإن الاستمرار في المعركة يعني شيئاً واحداً تؤكد عليه الوقائع العالمية اليوم، وهو: فشل مشروع الحرب وتراجع عرّابيه مما يفسح المجال لتقدم مشروع السلم وحماته من الروس والصينيين.