الكبار يتفقون في الصين.. والصغار يتناوشون في كندا

الكبار يتفقون في الصين.. والصغار يتناوشون في كندا

شاءت الأقدار، أو ربما كان أمراً مقصوداً، أن يتزامن حدثان هامان على الصعيد الدولي بشكل عكس صورة مكثّفة عن حقيقة الوضع الدولي الناشئ. هذان الحديثان هما: قمة «مجموعة السبعة الكبار«G7 في كندا، وزيارة بوتين إلى الصين قبيل انعقاد قمة «منظمة شنغهاي للتعاون».

بدأت قمة الـ« «G7في كندا، يوم الجمعة 8 حزيران الجاري، وفي اليوم نفسه وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين تمهيداً لعقد قمة «شنغهاي»، وبينما عكست الأولى: مستوى عالياً من الخلافات بين أعضائها، وتردداً في إصدار بيان ختامي مشترك، وعكست الثانية: درجة عالية من التوافق، وأنتجت بياناً ختامياً بين الرئيسين الروسي والصيني مثّل درجة كبيرة من التنسيق والتكامل بين بلديهما.
الـ««G7 والتغير التاريخي
كان سابقاً اجتماع الدول السبعة حدثاً كبيراً على الساحة الدولية، أما اليوم، ومع الظروف الدولية الناشئة بدأت تفقد هذه الاجتماعات قدرتها على التأثير الفاعل في مسار الأحداث العالمية.
تتضمن الـ««G7 دولاً صناعيةً كبرى في العالم، ومركزيةً في المنظومة الرأسمالية، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا واليابان. بدأت المجموعة اجتماعاتها الدورية منذ عام 1974 عقب أزمة نفطية وفترة ركود اقتصادي. وتحولت المجموعة إلى ثمانٍ بدلاً عن سبع، مع انضمام روسيا إليها عام 1997، لكنها عادت لتصبح سبعاً بعد استثناء روسيا منها عام 2014، على إثر الأزمة الأوكرانية.
في عام 1999، ظهرت إلى العالم مجموعة العشرين ««G20، التي مثّلت جميع دول مجموعة الثماني بالإضافة إلى 12 دولة مؤثرة أخرى، بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهي جزء من مجموعة «البريكس». هذا قلل إلى حد ما من أهمية اجتماعات مجموعة الثماني. ولرفع سلطتها، بدأت مجموعة الثماني منذ عام 2005 بدعوة قادة البرازيل والصين والمكسيك وجنوب إفريقيا إلى قممها كمراقبين.
هذا العام، وبعد مرور حوالي 44 عاماً على اجتماعات هذه المجموعة، لم تجر الأمور كما المعتاد، فقبل انتهاء القمة سادت التوقعات بعدم إصدار بيان ختامي مشترك، وبعد الولادة الصعبة لهذا البيان، الذي حاول من خلاله المجتمعون التغطية على الانقسامات، أعلن ترامب سحب تأييده له. كذلك خلال القمة وقبلها تعددت التصريحات والتلميحات المليئة بالخصام والبغض، وهو أمر طبيعي وموضوعي، في ظل وصول الاختلالات في المنظومة التقليدية، والخلافات بين الدول المشاركة في الاجتماع إلى مستويات غير مسبوقة. ومن ضمن تلك التصريحات تغريدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على صفحته بتويتر يقول فيها: «قد يكون الرئيس الأمريكي لا يعارض العزلة ونحن من جانبنا لا نعارض التوقيع على اتفاقية بين الدول الست»، وقول رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك: أن موقف الرئيس الأمريكي بشأن التجارة وتغير المناخ والقضية الإيرانية يشكل خطراً حقيقيًّا، مضيفاً: «لكن، ما يقلقني هو حقيقة أن النظام الدولي المرتكز على حكم القانون يواجه مخاطر، والأغرب، هو: أن الذي يشكل هذا الخطر ليسوا المشتبه فيهم المعتادين لكن مهندس هذا النظام وداعمه الرئيس».
خلافات وأزمة أعمق
تدور الخلافات بين دول المجموعة بشكل أساس حول الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مؤخراً على وارادت الصلب بنسبة 25% والألمنيوم بنسبة 10%، من أوروبا وكندا ودول أخرى، حيث ردت المفوضية الأوروبية بالمقابل، بأن الاتحاد الأوروبي سيبدأ فرض رسوم جمركية إضافية على واردات أمريكية مختارة، بينما صرح رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، بأنه يعتقد فكرة الإدارة الأمريكية بأن الصلب الكندي والألمنيوم الكندي يمثلان تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة فكرة مهينة.
يضاف إلى ذلك الخلاف حول الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات أمريكية اقتصادية على طهران، الأمر الذي سيضر الشركات الأوروبية واستثماراتها هناك بشكل كبير.
وأياً تكن الخلافات التي طفت على السطح، فإنها تعكس في العمق أزمة حقيقية في المركز الرأسمالي، ستتسارع وتزيد وتظهر في أماكن مختلفة، واجتماع الـ« «G7ليس آخرها.
الصين وروسيا... الجانب الآخر
على الضفة الأخرى، في الجانب الشرقي من العالم، تتدفق الأخبار والصور عن زيارة روسية غير اعتيادية للصين، مليئة بالتفاهمات والود. وبغض النظر عن شخصي الرئيسين، فإن علاقة متكاملة بين دولتين عظيمين مثل: الصين وروسيا، تعني شيئاً جديداً في هذا العالم، وخاصة أن سلوك هاتين الدولتين مجتمعتين أثبت وفي تجارب عدة، أن هذا الحلف يدفع نحو إطفاء الحرائق والسلم العالمي والتنمية الحقيقية ومشروعات تنموية تكاملية، كالمشروع الأوراسي وطريق الحرير الجديد.
وهو ما ذكره البيان الختامي في الجوهر، بالتأكيد على ضرورة « منع التدخل في شؤون الدول الأخرى، إن كانت الداخلية أو الخارجية وحل النزاعات السياسية عبر الطرق الدبلوماسية حصراً»، وإيلاء اهتمام خاص لضمان التوازن والاستقرار الاستراتيجيين عالمياً وإقليمياً.
أخيراً، يمكن القول: أنه بينما تخبو تحالفات تقليدية ودول كبرى قادت العالم لعقود، وأوصلتنا إلى ما نحن عليه، تشع من الشرق قوى جديدة وتحالفات جديدة، يبدو أنها ستقود هذا العالم إلى طريقٍ جديدٍ، طريق يمكن وصفه بكل تأكيد بالأفضل.

المركز العالمي الجديد

عقدت روسيا والصين جملة من الاتفاقات الجديدة على إثر الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي إلى بكين، لتعزز بتسارع ذلك النهج الذي بات سِمة من سمات العلاقات بين البلدين، خلال السنوات الأخيرة، أي التنسيق والتكامل، في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والدبلوماسية. تطور العلاقات بين البلدين ليس شأناً خاصاً بالبلدين فقط، بل يحدد آفاق التطور العالمي ككل، فالصين بما تمثل من وزن اقتصادي، وروسيا بما تمثل من ثقل عسكري جيوسياسي، وما تمتلكه من ثروات مادية هائلة، يشكلان معاً، ثنائياً يمكن أن يكون معادلاً وموازناً، لأية قوة دولية، ونواة المركز العالمي الجديد، فالبلدان يمتلكان كل مقومات بلورة هذا المركز الجديد، ووضع أسسه المادية، بما يعنيه ذلك نقل مركز الثقل في العلاقات الدولية من الغرب الى الشرق، أي إنهاء دور المركز الغربي المتحكم بالتطور العالمي على مدى خمسة قرون الماضية.