«الجامعة العربية»... ومبررات الوجود

إن نظرة الاستخفاف التي تكنّها شعوب الدول المنضوية في «الجامعة العربية» ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة مراكمة ومعاينة تجارب واجتماعات المؤسسة المذكورة، التي لم تؤدِّ فعلاً إلى إنجاز ما هو مطلوب منها عربياً.
على الصعيد الإعلامي
إن معايير تقييم نجاح أو فشل قمة عربية دورية، كان سابقاً، وبدرجة عالية من السخافة، يتجسّد بالدرجة الأولى في عدد الملوك والرؤساء والزعماء العرب الحاضرين للقمة، وثانياً: بالنظر إلى نتائج الاجتماعات.
أمّا اليوم، فإن عودة الجماهير إلى الشارع، والمطالبة بحقوقها المشروعة، وضعت جميع الجهات والمؤسسات والأحزاب المحلية والدولية أمام ضرورة تبرير وجودها، ومواجهة الاستحقاقات الجديدة. وفي هذا السياق يمكن القول: إن القمة الأخيرة التي عُقدت في 15 نيسان الجاري تضمنت درجة عالية من التراجع والفشل، وذلك استناداً إلى نقاط عدة من بينها:
أولاً: كان خبر القمة العربية على وسائل الإعلام العربية أو الناطقة بها خبراً ثانياً منذ اليوم الأول.
ثانياً: تضمن جدول الأعمال معالجة الشأن الفلسطيني، وتدخلات الدول المجاورة في شؤون الدول العربية، كنقاط أساسية، وانعكس هذا الأمر ليخرج ببيان مشترك خالٍ من أي معنى، سوى بإبداء تضامن «ورقي» مع الشعب الفلسطيني، وتنديد بتدخلات الدول المجاورة في الشؤون العربية، مشيرين بذلك إلى إيران.
ثالثاً: إن عدم القدرة على التعامل مع الطارئ الذي حدث أثناء انعقاد القمة، وهو العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي على سورية، ورفض التنديد به، أو حتى الجرأة على ذكره في البيان الختامي، رغم مطالبة العراق بذلك، ينم على درجة عالية من الشقاق والتفاوتات في المواقف بين الدول الأعضاء، مما يدفعنا إلى مراجعة جدوى وجود الجامعة العربية أساساً.
في أسباب التخبّط
إن درجة تخبط وتراجع دور «الجامعة العربية» هو كما ذكرنا آنفاً، ليس وليد اللحظة، بل هو ممتد منذ تأسيسها، الأمر الذي يدفعنا جدياً في بحث الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، وفي طبيعة الدور الوظيفي لهذه الجامعة منذ تأسيسها، وهو أمر يحتاج إلى بحث مطوّل، ولكن في هذا السياق يمكن التأكيد على جملة أولية من الحقائق:
أولاً: إن المؤسسات والتكتلات الدولية تنشأ عادةً، وكما هو معروف، على أساس الاستناد إلى مجموعة من المصالح المشتركة، وهو أمر ينطبق جزئياً على «الجامعة العربية»، ولكن تأسيس الأحزاب أو التنظيمات وحتى المؤسسات الدولية على أسس دينية أو قومية أولاً، ثم الاستناد على المصالح المشتركة ثانياً، قد يؤدي إلى إنتاج بنى عقيمة غير قادرة على المضي إلى الأمام. مما يؤكد على ضرورة وجود رؤية قائمة على أسس التعاون والمصالح المشتركة بين أعضاء «الجامعة العربية»، كأساس نحو بناء دور حقيقي وفاعل للجامعة.
ثانياً: إن «الجامعة العربية» بالأساس، ومنذ ظهور فكرة إنشائها في الحرب العالمية الثانية من قبل الطرف البريطاني وحتى تأسيسها، مارست دوراً كبيراً في ضبط المصالح البريطانية على مستوى العالم العربي والمنطقة_ مصر والخليج وأجزاء من شرق المتوسط_ وهو الأمر الذي ينسحب اليوم على الدور الذي تمارسه بعض الدول المنضوية ضمن «الجامعة العربية»، والتي هي جزء من المنظومة الغربية وأدواتها في المنطقة، بتبعيتها العالية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حيث تعمل هذه الدول على تحقيق مصالح الغرب، وتأجيج مشروعه بالفوضى في العالم العربي، مما يجعل من وزن هذه القوى ينعكس تراجعاً في وزن الجامعة العربية ودورها ككل.
ثالثاً: إن العالم أجمع مقبل على تغيرات من العيار الثقيل، مصدرها التغيرات الجدية في الأوزان الدولية للقوى الكبرى، وهو أمر يدفع بجميع تلك البنى التي أنتجتها فترة الصعود الغربي إلى تراجع وتخبط في فترة التراجع الغربي، وينطبق ذلك على الحكومات والأحزاب والتنظيمات والمؤسسات المحلية منها والدولية.
الأمر الذي سينعكس بطبيعة الحال على «الجامعة العربية» والدول المنضوية ضمنها، لتترافق التغيرات العالمية مع التغيرات الداخلية لتلك الدول، مما يعني، أن مبررات وجود الجامعة واستعادة دورها الوظيفي المطلوب اليوم محكوم بالدفاع عن مصالح المنطقة وشعوبها، والقطع مع المنظومة الغربية، وإن الضغط الشعبي المتصاعد هو الضمانة لتحقيق ذلك.