الـ«كوشوك» المُرعب
من بين دخان الإطارات المشتعلة، قال الفلسطينيون في جمعة «الكوشوك»: هيك اتهجّرنا، وهيك رح نرجع!
استمراراً للحملة الشعبية الفلسطينية بعنوان «مسيرة العودة الكبرى»، التي انطلقت في ذكرى «يوم الأرض»، في الثلاثين من شهر آذار، نُظّمت تظاهرة سُميت بـ«جمعة الكوشوك»، في السادس من الشهر الجاري، حيث أقدم الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزّة لليوم السابع على التوالي بالتظاهر عند الشريط الحدودي الفاصل، بإبداع آخر يحمل في طياته ردّا وتصعيداً جديداً في الحراك.
لقد أقدم الفلسطينيون على حرق المئات من الإطارات، حاجبين بذلك رؤية قوات العدو الصهيوني عنهم، بتحدٍ مباشر وإصرار أكبر، رغم محاولات القمع والترهيب، نحو استمرار المسير واستكماله حتى الـ15 من الشهر الجاري.
لماذا الـ«كوشوك»؟
في جمعة يوم الأرض، اندلعت مواجهات عدة بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني على الشريط الحدودي الفاصل شرقي قطاع غزّة، وأقدم العدو خلالها على إطلاق الرصاص المطاطيّ والحيّ، بالإضافة إلى قنابل الغاز المسيل للدموع، وعمليات القنص، التي أدت إلى ارتقاء عدد من الشهداء، كان أحدهم الشاب، عبد الفتاح عبد النبي، ذي الـ18 عاماً من العمر، حيث قُنص في ظهره أثناء مساعدة رفيقه بالعودة إلى مكان التجمّع، حاملاً «كوشوك» كان قد جلبه من أعمق نقطة وصل إليها قرب الشريط الحدودي متعثراً برصاص الاحتلال، لينجو رفيقه ويرتقي عبد النبي شهيداً... وليجلب الفلسطينيون بدل كوشوك واحدٍ أرعب نواة الاحتلال، ألفاً غيره.
بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة الإطارات وإحراقها، لا تقف عند رمزيتها من تحدٍّ وغضب عقب أحداث الأسبوع الفائت، بل تهدف لحجب رؤية العدوّ وقناصته عن المتظاهرين العُزّل دفاعاً عن أنفسهم، في رسالة واضحة باستمرار المسير وتصاعده، مما دفع الكيان الصهيوني إلى استنفار قواته، بإعلان القطاع منطقة عسكرية مُغلقة.
الأمم المتحدة وسلامها «المُفرط»!
كان من أبرز ما تداولته وسائل الإعلام، هو: رسالة الأمم المتحدة للكيان الصهيوني، التي تحثّه على «عدم استخدام القوة المفرطة» بقمعه للمتظاهرين، وهنا نتساءل عمّا تقصده الأمم المتحدة بالـ«قوة المفرطة»؟ فلربما قد تُضطر في قادم الأيام إلى توجيه الرسالة ذاتها، المُرعاة من واشنطن، للفلسطينيين بحثّهم على عدم استخدام «القوة» أساساً في تحرير أرضهم من مُحتلّيها.
لم تراعِ قوات الاحتلال، منذ سبعين عاماً حتى اليوم، أي قانون أو قرار دولي، لتمارس أعتى أساليب القمع والقتل والتهجير وحشية، وما فعلوه من إطلاق رصاص وغازات مسيلة للدموع، إضافة إلى حملات الاعتقال وغيرها من الممارسات مؤخراً، هو لا شيء مقارنة بتاريخ الاحتلال، وهذا الـ«لاشيء» مقارنة بسابقه أتى فرضاً، بما يمليه واقع تغيّر الميزان الدولي بغير صالح الكيان الفاشي.. وما هو معروف بأنّ الأمم المتحدة ومنظّماتها وتفرعاتها المختلفة قد كانت يوماً مُلكً للأمريكي ليمرر من خلالها أجنداته، ويُبرر لنفسه احتلال ما يحلو له حول العالم، فإنها اليوم ومع مرور الوقت تخرج عن سيطرته أكثر فأكثر، خاضعة للتغيّر الدولي ذاته، بتراجع قطب وتصاعد آخر، ليأتي مشروع بيان في مجلس الأمن يوم السبت الماضي، يدعو للتحقيق بممارسات قوات الاحتلال بقمعه وإجرامه بحق المتظاهرين، لتعرقله واشنطن رغم موافقة باقي الأعضاء.
القرارات الدولية بوصفها «بروتوكلاً»
رغم أننا اعتدنا سابقاً على كون القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا تتعدى كونها حبراً على ورق، إلّا أنّ العشرات من القرارات التي انتزعها الفلسطينيون بنضالهم خلال السنين الماضية من الممكن اليوم بحثها وإعادة إحيائها، وذلك في مجرى تغيّر موازين القوى الدولية، لتعود بشكل تدريجي سلاحاً بأيديهم، بدءاً من القرار الأممي 194 القاضي بعودة اللاجئين الى أراضيهم، الأمر الذي يعيه كيان الاحتلال، ويعي مخاطر هذا التصاعد في المستقبل، ما يدفعه إلى المزيد من التأزم بين واقع دولي يجري عكس طموحاته، ومحلّي تتصاعد وتيرته بشكل متسارع.
العودة والتحرير
إن واقع التراجع الأمريكي وانكفائه عن الملفات الدولية يُفضي إلى ترك فراغ مكانه.. فراغ لن تملأه إلا حركة الشعوب باتجاه حل قضاياها باختلافاتها وتنوّعها، وفيما يخصّ القضية الفلسطينية فلا حلّ هنالك مع المحتل إلّا في التحرير، وإذا كان زمن انتصار الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، قد أتاح له أن يفرض نفسه أباً على الساحة الدولية، ويصنع معسكراً فاشياً على أرض فلسطين، فإن تراجعه هذا يعني، حقيقةً، بدء تفتت المعسكر هذا، وعلى يد الفلسطينيين أولاً، وبمقاومتهم حتى تحرير الأرض، وكما كان شعار جمعة «الكوشوك» بدخان الإطارات المتصاعد: «هيك اتهجرنا، وهيك رح نرجع» .. فما أول الرقص إلّا.. حنجلة!