اليمن: تصعيد يعكس أزمة «التحالف»
عليا نجم عليا نجم

اليمن: تصعيد يعكس أزمة «التحالف»

شهدت الأحداث في اليمن مؤخراً تصعيداً جديداً، بعد نشوب مواجهات مسلحة في مدينة عدن، بين «قوات الحماية الرئاسية» الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وقوات «الحزام الأمني» الموالية لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، أسفرت عن سيطرة الأخيرة على المدينة...


رغم مرور نحو ثلاثة أعوام على تدخل قوات التحالف في اليمن، واشتداد المعارك العسكرية على الأرض، إلّا أن الحسم العسكري لا يزال يبدو بعيد المنال، إذا لم تسفر عملية «عاصفة الحزم» بقيادة سعودية سوى عن إطالة أمد الأزمة وتفاقم معاناة الشعب اليمني، والتسبب بكارثة إنسانية...
في هذا السياق، تزداد أزمة دول التحالف في الساحة اليمنية عمقاً ووضوحاً، نتيجة لمحصلة موازين القوى في المنطقة، التي لا تميل لصالح المملكة العربية السعودية وحلفائها، مما يدفع الرياض للجوء إلى سيناريوهات مختلفة، في محاولة لحسم المعركة، والخروج من المستنقع، وخاصة مع اتخاذ الأزمة بعداً إنسانياً ودولياً.
محاولات الخروج من المستنقع
بعد المحاولة الفاشلة لحسم المعركة، ومقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، نتيجة انقلابه على التحالف مع جماعة «أنصار الله». اتخذت الأحداث على الأرض بعداً جديداً من خلال التصعيد الأخير، الذي قام به ما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً، حيث أعلنت فصائل «المقاومة الجنوبية» التابعة للمجلس حالة الطوارئ في مدينة عدن، متهمة الحكومة بالفساد و«تسخير كل إمكاناتها وطاقاتها لمواجهة الجنوب وشعبه ومشروعه الوطني»، مطالبة الرئيس عبد ربه منصور هادي بحل مجلس الوزراء برئاسة أحمد عبيد بن دغر، وإعطائه مهلة محددة للقيام بذلك، ليتحول بعدها الأمر إلى مواجهات مسلحة في المدينة. وحمّل «المجلس الانتقالي الجنوبي» في بيان له، الحكومة اليمنية مسؤولية تلك الاشتباكات، متهماً إياها بقمع المتظاهرين ضد حكومة بن دغر.

أزمة مفتعلة؟
تم الإعلان عن انتهاء الاشتباكات في عدن بعد تدخل قيادة «التحالف العربي»، ووصول وفد عسكري أمني من السعودية والإمارات إلى المدينة، واستدعاء ممثلين عن الحكومة اليمنية التي يرأسها أحمد بن دغر، و«المجلس الانتقالي» برئاسة عيدروس الزبيدي، إلى مقرها في مديرية البريقة لمناقشة الوضع في المدينة، عقب مطالبة الأطراف كافة بسرعة وقف الاشتباكات.
ونتج عن الاجتماع اتفاق بين الأطراف المعنية، أبرز ما جاء فيه وتم الكشف عنه، هو: انتشار قوات «الحزم الأمني» في أرجاء عدن كافة، واعتبار «المجلس الانتقالي الجنوبي» كياناً سياسياً ممثلاً عن الجنوب، وشريكاً مع التحالف، بالإضافة إلى إقالة حكومة بن دغر وتشكيل حكومة كفاءات، وإشراف دولة الإمارات على تشكيل نواة جيش وطني جنوبي، ذي مهام أمنية وعسكرية محددة. قيادة التحالف أكدت أيضاً على «عودة الهدوء في المدينة» وأن «الرياض وأبوظبي تشتركان في رؤية واحدة وهدف واحد، هو أمن اليمن واستقراره وتجنب الفوضى».
وهنا يبدو أن الأحداث الأخيرة، قد توحي للبعض بوجود خلافات إماراتية سعودية في التعامل مع الأزمة اليمنية، إلّا أنه بالوقوف على نتائج تلك الأحداث، يتضح أنها أدت إلى تعزيز مواقع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وبإشراف قيادة التحالف، فإلى ماذا يسعى هذا المجلس؟ وهل تتقاسم السعودية والإمارات الأدوار لتنفيذ سيناريو في مسعىً للخروج من الأزمة؟

سيناريوهات التقسيم...
الحل الأسهل؟
تم الإعلان عن تأسيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» في 11 أيار عام 2017، برئاسة عيدروس الزبيدي، وهو محافظ عدن السابق، وذلك بعد مرور شهر على إقالته من منصبه، ومما جاء في قرار تأسيس المجلس: «يستمر الجنوب في الشراكة مع التحالف العربي في مواجهة المد الإيراني في المنطقة، والشراكة مع المجتمع الدولي في الحرب ضد الارهاب كعنصر فعّال في هذا التحالف»، ومما جاء في بيان للمجلس أيضاً: «التزام المجلس الانتقالي الجنوبي بالحفاظ على مكتسبات الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية، وتعزيز مبدأ التسامح والتصالح الجنوبي لتحقيق أهداف وتطلعات شعب الجنوب في التحرر الشامل، وإقامة دولته الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة».
أي: أنه من الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي لديه نوايا بالانفصال، وهو يحظى بدعم إماراتي معلن، لذلك لا يمكن فصل الأحداث الأخيرة عن مخططات دول التحالف وسيناريوهاتها في اليمن، وهو ما أشار إليه زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي في كلمته الأخيرة، حيث اعتبر تلك الأحداث «تطورات لا تخرج عن اتجاه اللعبة التي يمارسها العدوان في البلد، وهي لعبة يستغل فيها أوراقاً متناقضة متباينة. يحرك هذه الأرواق والخيوط بما يخدم موقفه، ولا نرى فيها أي مؤشر إيجابي تجاه المستقبل»، داعياً القوى الداخلية جميعها إلى الحوار والتفاهم.

تهديد أمريكي وتهدئة روسية
الولايات المتحدة الأمريكية بدورها، أعادت تحميل إيران مسؤولية ما يجري في اليمن، حيث قال رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان: إن «الولايات المتحدة تضع نصب أعينها التهديد الإيراني لدول المنطقة.. وتتفق بشكل تام مع المملكة والإمارات، على ضرورة منع إيران من توسيع قبضتها على دول أخرى في المنطقة»، وأن إيران ستدفع الثمن على حد قوله. كما اتهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مجدداً إيران بزعزعة استقرار المنطقة، في حين عرضت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ما قالت أنها أدلة على انخراط إيران في النزاع اليمني.
في المقابل، أشارت الخارجية الروسية إلى أن «موسكو قلقة من هذا التطور للأحداث، التي قد يتسبب بمرحلة جديدة للنزاع المسلح على الأرض اليمنية وتوسيع دائرة المشاركين فيه». وأضافت: «إننا لا نزال على يقين بأن مسائل مستقبل الجمهورية اليمنية، بما في ذلك نظام الدولة والأراضي، يجب حلها ليس باستخدام السلاح وإنما حول طاولة المفاوضات بعد انتهاء النزاع العسكري السياسي، وعبر المراعاة المتبادلة للمصالح ومباعث القلق لجميع القوى السياسية البارزة في هذه البلاد».
تعكس هذه التصريحات، وردود الأفعال على الأحداث الأخيرة، التمايز الواضح بين الموقف الأمريكي الساعي للتوتير، والموقف الروسي الذي يؤكد أن لا حل للأزمة في اليمن سوى المفاوضات.

بناءً على ما سبق، يبدو أن احتمال انفصال الجنوب وتقسيم اليمن قد يكون أحد خيارات قوى التحالف القادمة، بهدف تسهيل حسم المعركة والخروج من الأزمة، إلاّ أن التغير الجاري في موازين القوى، أثبت مرات عديدة، أن التراجع الأمريكي عالمياً والسعودي إقليمياً فرض أمراً واقعاً جديداً، وهو فشل منطق التقسيم والتوتير في تحقيق أهدافه، أي: أن فشل قوى التحالف في حسم المعركة عسكرياً وتحقيق أهدافها في اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية، يعني أن احتمالات نجاح السيناريو السعودي الإماراتي الجديد بالتقسيم هي ضعيفة، وأن تلك الدول لم تعد قادرة على فرض خياراتها في المنطقة، وخاصة مع وجود مشروع بديل صاعد يهدف إلى تعزيز منطق الحلول السياسية للأزمات عالمياً.