ما الجديد في العقيدة النووية الأمريكية الجديدة؟

ما الجديد في العقيدة النووية الأمريكية الجديدة؟

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الجمعة 2 شباط 2018، عن عقيدتها النووية الجديدة، مثيرة حملة من الانتقادات، وتُعتبر مراجعة الموقف الأمريكي النووي، العملية الأولى من نوعها خلال ثمانية أعوام.

دعا الرئيس ترامب من خلال العقيدة النووية الجديدة إلى تطوير نوعين جديدين من الأسلحة النووية، قائلاً: إن الترسانة الأمريكية يجب أن تكون أكثر مرونة «لمعالجة مجموعة واسعة من التهديدات في القرن الـ 21». وتتضمن الخطة: إنفاق ما يزيد على 1,2 تريليون دولار على تحديث القوة النووية الأمريكية على مدى السنوات الثلاثين القادمة.

كما أوضح وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس: أن هذه الخطوة ضرورية للرد على الاستفزازات النووية من كوريا الشمالية، والجهود العدوانية التي تبذلها روسيا والصين لتحديث ترساناتها، وأشار إلى وجود حالة من عدم اليقين بشأن الطموحات النووية الإيرانية. 

القوة الروسية

بحسب الوثيقة الجديدة، فإن واشنطن تعتبر أن تحديث روسيا لإمكانياتها النووية يعني عزمها للعودة إلى مركز قوة عظمى، وإلى سباق التسلح، حيث جاء في نص العقيدة: «اليوم، تقوم روسيا بتحديث هذا السلاح النووي، فضلاً عن الأنظمة الاستراتيجية الأخرى»، وأن «هذا، إلى جانب استيلاء روسيا، على شبه جزيرة القرم والتهديدات النووية لحلفائنا، تؤكد عزم موسكو على العودة إلى مواجهة القوى العظمى». وذكرت الوثيقة أيضاً: «إننا نتطلع إلى الظروف التي تسمح لنا بإقامة تعاون شفاف وبناء مع روسيا». وأن البلدين اكتسبتا تجارب من الحوار المثمر في هذا الاتجاه. 

في المقابل قالت وزارة الخارجية الروسية: إن محتوى وثيقة العقيدة النووية الأمريكية الجديدة، يبعث خيبة أمل عميقة لدى موسكو، وأن الاتهامات الموجهة لموسكو لا علاقة لها بالوضع الحقيقي، معتبرة أن الفقرات التي تشير إلى تسوية العلاقات مع موسكو مجرد نفاق. واعتبرت الخارجية الروسية، أن واشنطن تضلل العالم من خلال القول: أن العقيدة النووية الجديدة لن تخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أن موسكو تلتزم بشكل صارم بالالتزامات الدولية جميعها، في الوقت الذي تتهمها فيه واشنطن بالسلوك العدواني. مشيرة أيضاً إلى أنه «ينبغي على جميع الدول ذات القدرات النووية وبصفة رئيسة المملكة المتحدة وفرنسا بوصفهما حلفاء للولايات المتحدة، أن تشارك في نزع السلاح».

القدرات النووية الإيرانية

من جهة أخرى أبدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقها، من أن إيران ستواصل الاستثمار في تطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ومما جاء في نص العقيدة: «إيران تواصل الاستثمار في أكبر برامج للصواريخ في منطقة الشرق الأوسط، وربما في المستقبل قد تهدد بالأسلحة النووية. وكذلك إيران تطور القدرات العسكرية الأخرى غير النووية، بما في ذلك نظام صواريخ كروز والحرب الإلكترونية المحتملة للعمليات الهجومية. ويمكنها أيضاً مواصلة الاستثمار في الأسلحة الكيميائية والبيولوجية». معتبرة أن إيران تحافظ على القدرة التكنولوجية اللازمة لتطوير سلاح نووي في غضون عام بعد اتخاذ القرار، وأن « تطوير إيران لصواريخ باليستية بعيدة المدى، واستراتيجيتها العدوانية، والنشاط المبذول لزعزعة استقرار الدول المجاورة، يثير تساؤلات حول الالتزام طويل الأمد بالتخلي عن إمكانية تطوير أسلحة نووية».

الرئيس الإيراني حسن روحاني، اعتبر أن العقيدة الجديدة هي تهديد لروسيا، قائلاً: بأن «نفس الأشخاص الذين من المفترض أنهم يعتقدون أن استخدام أسلحة الدمار الشامل جريمة ضد الإنسانية.. يتحدثون عن أسلحة جديدة لتهديد منافسيهم بها، أو لاستخدامها ضدهم». بينما اعتبر وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أن الوثيقة الأمريكية تهدد «بجعل البشرية أقرب إلى الفناء». 

استنكار صيني

استنكرت الصين أيضاً العقيدة الأمريكية الجديدة، حيث قالت وزارة الدفاع الصينية في بيان لها: إن «السلام والتنمية توجهان عالميان لا يمكن الرجوع عنهما، وعلى الولايات المتحدة التي تملك أكبر ترسانة نووية في العالم، أخذ زمام المبادرة لاتباع هذا النهج بدلا من الاعتراض عليه». وأضافت: «نأمل أن تتخلى الولايات المتحدة عن عقلية الحرب الباردة، وأن تضطلع بشكل جاد بمسؤوليتها الخاصة لنزع السلاح وفهم نوايا الصين الاستراتيجية بشكل سليم، وأن تنظر بموضوعية إلى الدفاع الوطني والتعزيز العسكري الصيني».

وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية رن قوه تشيانغ: أن الوثيقة الأمريكية «تتضمن تكهنات متغطرسة حيال الصين، وتبالغ بشأن تهديد القوة النووية الصينية». وأنها تشكل تحدٍ كبير للمصالح الأمريكية في آسيا. مضيفاً أنه يتعين على الولايات المتحدة، التي تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، أن تساير الاتجاه العالمي الذي لا يمكن عكس مساره، صوب السلام والتنمية بدلاً من الركض في الاتجاه المعاكس. 

بناء على ما سبق ذكره، مما ورد في العقيدة النووية الأمريكية الجديدة، وردود الأفعال التي قابلتها، يمكن الاستنتاج: أن الجديد في هذه الوثيقة الأمريكية، هو استعراض زائف للقوة، في الوقت الذي تعترف فيه واشنطن بالتراجع أمام منافسيها، وأن هذا الاستعراض لن يجلب سوى مزيداً من العزلة الأمريكية، في الوقت الذي يأخذ فيه العالم مساراً جديداً قائم على التكامل العالمي والحلول السلمية.