فرنسا على «طريق الحرير الجديد»
يزداد الافتراق بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وضوحاً شيئاً فشيئاً، حيث أن الوقائع المتغيرة عالمياً، تفرض على من أراد أن يكون له دور في العالم الجديد، ضرورة القطع مع المنظومة القديمة، والالتحاق بمشروع قوى الشرق الصاعد، وفرنسا ليست استثناءً...
في هذا السياق، تمر فرنسا وأوروبا عموماً، في مرحلة انتقالية من تاريخ علاقاتها الدولية. تجلّى ذلك مؤخراً بوصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة شيآن الصينية، نقطة انطلاق طريق الحرير القديم، وبداية لزيارة الدولة الأولى للصين، وذلك بعد أيام قليلة من الاحتفال برأس السنة الميلادية 2018. نقدم فيما يلي مقالاً كتبه، وانغ يي وي، يبحث فيه عن إجابة للتساؤل التالي: لماذا تبادر فرنسا في الدعم والمشاركة في بناء «الحزام والطريق»؟
دعم «الحزام والطريق»
بالإضافة إلى احترام التاريخ والثقافة الصينية، فإن اختيار ماكرون مدينة شيآن كمحطة انطلاق لزيارته للصين، هو لتذكير العالم بـمبادرة «الحزام والطريق»، وشيآن، هي المدينة التي ستستضيف منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في العام القادم. كما أشاد ماكرون بقيمة المبادرة خلال لقائه بالرئيس الصيني شي جين بينغ والكلمة التي ألقاها في قصر دامينغ.
في الواقع، احتل موضوع التحام استراتيجي بين أوروبا وآسيا في إطار «الحزام والطريق» صدارة المواضيع التي نوقشت خلال منتدى بواو الآسيوي، الذي عقد في باريس في أيلول من العام الماضي. وقال ماكرون خلال اجتماعه مع المندوبين الصينيين، الذين حضروا الاجتماع: «تعد مبادرة الحزام والطريق أهم مبادرة تقترحها الصين، ذات أهمية سياسية وتجارية وثقافية، وأن فرنسا على استعداد للعمل مع الصين على أساس القواعد المشتركة، والمعايير ذات الصلة، والمشاركة في بناء الحزام والطريق بنشاط، من أجل تعزيز ازدهار واستقرار آسيا واوروبا وإفريقيا».
قيادة التعاون
الأوروبي مع الصين
تتميز الدبلوماسية الفرنسية بالاستقلالية على مدى التاريخ. وتفضل فرنسا أن تكون التجربة الأولى في العالم، بتطوير علاقاتها مع الصين. كما تلعب العلاقات الصينية ـ الفرنسية دوراً مثالياً وقيادياً للعلاقات الصينيةـ الأوروبية. حيث أقامت فرنسا علاقاتها الدبلوماسية مع الصين في عام 1964، وتعد أول دولة كبيرة في العالم الغربي، تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، ليأتي بعد ذلك تأثير الدومينو.
وتتطلع فرنسا إلى قيادة الدول الغربية لتعزيز التعاون مع الصين، في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، والحفاظ على مكانة فرنسا وتعزيزها في أوروبا والعالم. وقال ماكرون خلال زيارته إلى الصين: «التنسيق بين أوروبا والصين في مبادرة الحزام والطريق أمر بالغ الأهمية، وفرنسا ستضطلع بدور نشط» ويمكن القول: إن فرنسا تتوفر فيها الشروط اللازمة لتقود الغرب، في تعزيز التعاون مع الصين، في إطار مبادرة «الحزام والطريق».
توسيع الأسواق الخارجية
أعرب الرئيس ماكرون عن تقديره لمبادرة «الحزام والطريق» التي اقترحتها الصين، ويتوقع أن الاستثمارات الصينية ستشهد زيادة في فرنسا، كما سينشأ المزيد من فرص العمل، وخفض العجز التجاري في الجانب الفرنسي. وبعد عام 2018، سينمو الطلب المحلي للاقتصاد الصيني تدريجياً، وسيتم تخفيف شروط الوصول إلى السوق الصينية، وخاصة سوق المشتريات العامة، وسيساعد معرض شنغهاي الدولي للاستيراد، الذي سيعقد في تشرين الثاني هذا العام، على زيادة الصادرات الفرنسية إلى الصين. وفرنسا تضع المزيد من التركيز على التعاون الثلاثي. حيث فتح التعاون الصيني الفرنسي سوق الطاقة النووية البريطانية، وهو مثال للتعاون الثلاثي في إطار مبادرة «الحزام والطريق».
نحو عالم متعدد الأقطاب
بعد أن صوتت بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، وتحديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أولويات إدارته لجعل «أمريكا أولاً» في العالم، تم وقف اتفاقية «الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي»، وتجري الدول الأوروبية تقييم لعلاقاتها التجارية، التي دعمت اقتصادها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ودعت فرنسا إلى المزيد من الاهتمام إلى أوراسيا، لتوازن العلاقات الأطلسية. وفي نهاية العام الماضي، قال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، الذي أطلق عليه «رسول» ماكرون لفترة طويلة: إن فرنسا تتطلع إلى إنشاء «طريق تجاري» بين أوروبا والصين من خلال روسيا، كوسيلة لمواجهة العلاقات التجارية غير المؤكدة بشكل متزايد مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
ترويج معايير فرنسية وأوروبية
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى مشاركة أوروبا في أنشطة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، مؤكداً في الوقت نفسه، بضرورة أن يكون التعاون في إطار «الشراكة المتوازنة»، كما يجب أن تتوافق قواعد الاستثمار مع المعايير الأوروبية و«التوقعات المشتركة».
أصبحت فرنسا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي بعد خروج بريطانيا. وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على دعوة الصين لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية وفرنسا لديها مفهوم مماثل.
إن المناقشة والتقاسم والبناء المشترك مع الدول المتقدمة، في بناء «الحزام والطريق» أمر ضروري، ولا يمكن فصل الأموال والتكنولوجيا والموظفين والمعايير. وبطبيعة الحال، ينبغي على الصينيين أيضاً أن يوجهوا جيداً حماسة فرنسا للمشاركة، من أجل بناء نموذجٍ في التعاون الصيني الغربي لبناء «الحزام والطريق».