(لعم) الأمريكية للتفاوض مع بيونغ يانغ؟

(لعم) الأمريكية للتفاوض مع بيونغ يانغ؟

لم تحسم واشنطن أمرها حول بدء المفاوضات مع كوريا الديمقراطية، على الرغم من ظهور بوادر جديدة مؤخراً، توحي بإمكان إطلاق تلك العملية التفاوضية، التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ...

يقول الوزير الأمريكي في خطاب ألقاه في مركز أبحاث واشنطن، يوم الثلاثاء 12 كانون أول الحالي: أن «الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع كوريا الشمالية عندما تكون مستعدة لذلك». ويضيف: «بيونغ يانغ يجب أن تأتي إلى مائدة التفاوض وهي على استعداد لتغيير مسارها بشأن برامجها النووية والصاروخية».

أيام ما قبل التفاوض!
رأى تيلرسون: أن واشنطن بحاجة إلى «فترة هدوء» لإجراء مفاوضات مثمرة مع بيونغ يانغ، مفترضاً أنه يمكن خلال اللقاء المحتمل، وضع «خارطة طريق» لتسوية الوضع. ثم يشفع وزير الخارجية الأمريكي أقواله بصبغة الاستقواء المكررة قائلاً: «إن الجيش الأمريكي على استعداد للرد على أي تهديد كوري شمالي قوي، وأن القوات المسلحة الأمريكية تلقت أوامر بأن تكون لديها مجموعة كاملة من خطط الطوارئ المتاحة».
للمرة الأولى يظهر خيار التفاوض جلياً على لسان مسؤول كبير في إدارة ترامب، مما يشير إلى تجهيزات ربما تكون جدية، أو بالأحرى محاولات جس نبض أولية، لخيار هو في نهاية المطاف الأوفر حظاً، مع عدم استبعاد خيار الجنوح الأمريكي نحو الخيار العسكري، الذي يعني: حرباً عالميةً ثالثةً، قد تصل نيرانها حتى إلى واشنطن نفسها.
هذه المحاولات الأولية لجس النبض تزامنت مع إعلان مسؤول الشؤون السياسية في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان: أن «كوريا الشمالية تسعى إلى تجنب الحرب في شبه الجزيرة الكورية»، كما أعلن للصحفيين في 12 كانون أول الحالي، وأن المسؤولين الكوريين الديمقراطيين وافقوا على أهمية تجنب وقوع الحرب، وأن الأمم المتحدة ناقشت معهم كيفية فعل ذلك لمدة خمس عشرة ساعة.
وأشار المسؤول الأممي: أن المسؤولين في كوريا الديمقراطية، لم يقدموا خلال زيارتهم لبيونغ يانغ الأسبوع الماضي «أي نوع من الالتزام»، بشأن المحادثات قائلاً: «الوقت سيوضح تأثير مناقشاتنا، لكنني أعتقد أننا تركنا الباب موارباً وآمل بقوة في أن يفتح باب الحل التفاوضي على مصراعيه».
هذه التطورات في الملف الكوري عكّرها، بعد يوم واحد فقط، تصريحات قادمة من واشنطن نقلتها وكالة «رويترز» عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، دون الكشف عن اسمه، والذي أشار إلى: أن الوقت الحالي ليس مناسباً على ما يبدو لإطلاق محادثات مع كوريا الديمقراطية، في ظل تجربتها الصاروخية الأخيرة، التي أجريت في 29 تشرين الثاني الماضي.
هذه التصريحات الأخيرة تدل على اشتداد الصراع الحاصل داخل الإدارة الأمريكية حول طرق التعاطي مع الملف الكوري، أو حول التوقيت المناسب للانتقال الفعلي نحو نزع فتيل التوتر في شبه الجزيرة الكورية، لكن من المرجح أن احتدام الصراع داخل إدارة ترامب حول التوقيت، متعلق بالملفات الأخرى في شرق آسيا، وبالتحديد محاولات التضييق والإشغال للصين بشكل أساس، تلك المعركة الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى حاجة واشنطن ضمان تواجدها في المنطقة بحجة تجارب بيونغ يانغ الصاروخية.

أصابع الاتهام المزيف؟
في هذا الصدد، لا تخفي واشنطن نبرة اللوم والاتهام لبكين، فيما يخص ملف شبه الجزيرة الكورية، حيث سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن اتهم السلطات الصينية، إثر اختبار بيونغ يانغ لصاروخ باليستي عابر للقارات بـ«التقاعس» عن بذل جهودٍ كافيةٍ لكبح جماح «كوريا الشمالية».
فيما ردت الصين عبر بيانٍ لخارجيتها على انتقادات ترامب، مشددة على أنها ليست الطرف الذي سبب أزمة بيونغ يانغ النووية، مؤكدة أن التسوية تتطلب جهود الأطراف المعنية جميعها.  
وأضافت الخارجية الصينية: «يجب أن يكون لدى الأطراف جميعها مفهوم صحيح لهذا الأمر»، مشيرة إلى أن جهود الصين الرامية إلى إيجاد حلٍ في شبه الجزيرة الكورية نالت اعترافاً واسعاً من قبل المجتمع الدولي.
هذه الاتهامات الأمريكية للصين أيضاً، تأتي في ظل الصراع داخل البيت الأبيض، فوزير الخارجية الأمريكي، تيلرسون، كشف أن واشنطن تعهدت لبكين، بأن قواتها إذا اضطرت للدخول إلى كوريا الديمقراطية، فستنسحب بعد استعادة الاستقرار هناك، وبغض النظر عن واقعية التدخل العسكري من عدمه، إلا أن تيلرسون بهذا الموقف يقول ضمنياً: إن أي خيار مقبل للإدارة الأمريكية مرهون بالتنسيق مع الصين، وهو ما تدركه تيارات داخل الإدارة الأمريكية وتتجاهله تيارات أخرى.
هنا يمكن القول إن الأيام القليلة الماضية أظهرت أكثر فأكثر التناقضات الأمريكية الداخلية حيال الملف الكوري، وهي دليل على ضيق الخيارات الأمريكية، وفي الوقت نفسه اقتراب موعد حسم الخيار، بغض النظر عن الآجال الزمنية بأسابيع أو أشهر. ولربما تكون «فترة الهدوء» التي طلبها تيلرسون، هي ضمنياً: دعوة لهدنة داخلية أمريكية فيما يخص الملف الكوري، عسى أن تنجح إدارة ترامب في إنزال نفسها عن الشجرة  التي صعدت إليها، مهددة بالحرب على كوريا الديمقراطية  .