عاصمة فلسطين ستقلب الموازين
يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن ينقل سفارة بلاده في دولة الاحتلال إلى القدس، ليعترف بها عاصمة للكيان الصهيوني، مصوراً الأمر على أنه خطوة غير مسبوقة يقوم بها رئيس أمريكي «بعد طول انتظار».
يتباكى الكثيرون من المنددين والمتعاطفين أمام هذا «الحدث الجلل»، ولكن حقيقة الأمر، وبالنظر إلى دلالات توقيت هذه الخطوة وما يترتب عليها، ينبغي فهمها أن هذا الإجراء هو خطوة تراجعية شكلها هجومي، ولا يمكن فصلها عن التراجع الأمريكي العام.
في الواقع لا يمكن للإدارة الأمريكية وحدها أن تحدد هوية مدينة القدس، ولا يمكن لها أن تفرض خياراتها على الشعب الفلسطيني، وهي الحقيقة التي رسخّها المقدسيون مراراً، وآخرها انتصارهم في معركة بوابات الأقصى.
فما هو هدف الإدارة الأمريكية من هذه الخطوة؟
يمكن القول: إن المطلوب أمريكياً، هو توتير جديد في المنطقة، للتعويض عن انسحابها مرغمة من ملفات أخرى، كما السوري، ولكن خطوة كهذه يمكن وصفها بالحماقة، فهي سوف تدخل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة جميعهم في مأزق، بما فيهم السائرون باتجاه التطبيع في الخليج العربي وغيره، والكيان الصهيوني بالدرجة الأولى.
بهذه الخطوة تكون الولايات المتحدة عملياً قد أخرجت نفسها من عملية السلام كوسيط، مما يمكن اعتباره إعلاناً رسمياً للانسحاب الأمريكي من القضية الفلسطينية، فلا اتفاقية أوسلو أصبحت قابلة للاستمرار، ولا وهم حل الدولتين قابل للتنفيذ ضمن المعطيات الحالية، مما يعني بداية عزل فلسطين عن المشاريع الغربية عموماً والأمريكية تحديداً، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام إطار دولي جديد لحل القضية الفلسطينية، حامله الأساسي: قوى الشرق الصاعدة.
أما على مستوى الداخل الفلسطيني فلم يتبقَّ سوى المقاومة كخيار وحيد، سيتوحد الفلسطينيون حوله في معركتهم ضد الاحتلال، بعد أن أدار «الراعي الرسمي التاريخي» للمفوضات ظهره، وأبقى المصرّين على طرح إمكانية التسويات السياسية لحل القضية الفلسطينية وحيدين في وجه الغضب الشعبي الذي سيحمي عاصمته التاريخية.