فرص التوافق قبل إتمام سد النهضة؟

فرص التوافق قبل إتمام سد النهضة؟

وصلت أزمة سد «النهضة» إلى منعطفٍ جديدٍ، بعد فشل المباحثات بين مصر وإثيوبيا، في التوصل إلى نقاط توافق، تحفظ حقوق الأطراف المستفيدة جميعها من مياه النهر، فيما يظهر إصرار إثيوبيا، على إتمام بناء السد، بغض النظر عن سير الجهود الدبلوماسية مع مصر حيال هذه الأزمة ..

يقول وزير الخارجية المصري سامح شكري، أثناء مباحثات مع نظيره الإيطالي أنجيلنو ألفانو: إن مصر تعاملت مع هذا الملف منذ البداية، باعتباره يمكن أن يقدم نموذجاً للتعاون، بين دولة المنبع ودول المصب، بما يعود بالمنافع المشتركة على الجميع، ويتجنب الإضرار بأي طرف، إلا أن ما نشهده حالياً، من تعثر في المسار الخاص بالدراسات، لا يعكس الإدراك الكامل لأهمية الوقت ...

أزمة على منعطف
بدأت إثيوبيا فعلياً بتحويل مياه النيل الأزرق في أيار 2013 لبناء السد، الذي يبلغ طوله 1780 متراً، وبارتفاع 145 متراً، بحيث من المتوقع، أن ينتج في حال اكتماله، ستة آلاف ميغا واط من الكهرباء، وبتكلفة بناء بلغت 4,7 مليار دولار، أما بالنسبة للسودان فسيتم سد عجزها من الكهرباء البالغ 40%.
 لكن رغم استمرار المحادثات بين الأطراف الثلاثة في السنوات الأخيرة، فإن بناء السد بحسب الرؤية الإثيوبية، مستمر بغض النظر عن هذه المحادثات، وارتفعت بشكل ملحوظ، الحدة في التصريحات، بعد صدور تقرير استهلالي من مكتب استشاري فرنسي، حول احتمالات انخفاض حصص مصر من المياه، هنا يتهم وزير الري السوداني معتز موسى، المكتب الاستشاري الفرنسي، بإدراج نقاط في تقريره الاستهلالي، تصب في صالح الجانب المصري، «لا أساس قانونياً لها، وفقاً للعقد مع المكتب».
بالتزامن مع ذلك، تحاول إثيوبيا فرض السد كأمر واقع، إثر تصريحات وزير الري الأثيوبي سيليشي بقلي، في 25 تشرين الثاني الماضي، حيث أعلن عن اكتمال أكثر من 63% من أعمال بناء مشروع السد، مشيراً إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق مع مصر، لن يعطل بناء سد النهضة، مؤكداً أن أعمال البناء في السد لن تتوقف، ولو دقيقة واحدة، وهذا هو موقف بلاده الثابت، باعتباره حقاً أساسياً لإثيوبيا، في الاستفادة من مواردها المائية، في إنتاج الطاقة من أجل التنمية.

سد النهضة إلى أين ؟
من المؤكد، أن لإثيوبيا الحق في الاستفادة من مياه النيل تنموياً، دون الإضرار بمصالح جيرانها، وتحديداً مصر، لكن الوصول إلى هذا الهدف، بتجاهل رؤى الأطراف الأخرى، له أساس يفتح المجال أمام هكذا سلوك إثيوبي، وهو غياب مصر عن دورها في حوض النيل، أو بالأحرى شبه القطيعة عن التعاطي والمشاركة في المشاكل التي تعاني منها تلك المنطقة، فالعلاقات المصرية- الإثيوبية تتصف بانعدام الثقة، وهي سمة تاريخية، إضافة إلى العلاقات المصرية- السودانية، التي شهدت في العقود الأخيرة ركوداً، في الوقت الذي تعاني فيه كل من الدولتين أزمات متعلقة بقضايا التنمية، وحتى عدم التنسيق على المستوى السياسي في المسائل المتعلقة بانفصال جنوب السودان مثالاً، وبالتالي تأتي الأزمة الحالية نتاجاً لانخفاض الوزن المصري المركزي في حوض النيل، وهو ما تبني عليه إثيوبيا سلوكها في السنوات الأخيرة، وهي تناظر الانشغالات المصرية المتراكمة داخلياً، وحتى إقليمياً من جهتي سيناء وليبيا، وعليه تسارع في إتمام بناء السد، بغض النظر عن وجهة النظر المصرية، الداعية إلى حل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية.

حول الاعتراضات مصرية
تبدو مصر هادئة في تعاطيها مع مستجدات الأزمة، مؤكدة على خيار التعاون كأساس لإنصاف الأطراف المعنية جميعها، طالما أن ملء بحيرة سد النهضة يحتاج من 7 إلى 10 سنوات لإتمام هذا العمل، لكن مصر بإصرارها على إتمام مسار المفاوضات الثنائية، تريد ضمان عدم تخفيض مدة ملء البحيرة، بما يؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية خطيرة عليها، ومن جهة أخرى تريد مصر ضمان عدم توسعة السعة التخزينية للبحيرة من 15 إلى 75 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعني الانخفاض في الحصة المصرية من المياه، وهاذان الأمران لا يمكن ضمانهما إلا بتوقيع ناجز لاتفاقية، تحدد جميع المسائل المتعلقة بسد النهضة، هنا تكمن خطورة إيقاف المحادثات، واستمرار أعمال بناء السد في الوقت نفسه.
لكن من المؤكد، أن محاولة احتواء الأزمة مصرياً بهدوء، هي سمة مرحلية، للاستفادة قدر الإمكان من فرص إتمام المفاوضات بالطريقة المثلى، قبل البدء في الحديث عن خيارات أخرى، كرفع الملف إلى الهيئات الدولية المعنية، أو التضييق على إثيوبيا، باستخدام امتياز قناة السويس مصرياً على سبيل المثال، لكن المؤكد مرحلياً: أن ملف سد النهضة سيكون واحداً من الملفات الكبرى الواجب إنجازها بالنسبة لمصر في المرحلة القادمة، ليس فقط فيما يخص حصتها من مياه النيل، بل حول علاقتها مع دول حوض النيل مستقبلاً، وإمكانات تشكيل فضاء اقتصادي تنموي جديد في تلك المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
839