حرب النقد... ماذا وراءها؟

حرب النقد... ماذا وراءها؟

كثيراً ما نسمع عن العملات الإلكترونية الجديدة، دون أن نعي ماهية ارتباطها بالحرب على النقد، وهي الحرب الشبيهة من حيث تبعاتها إلى حدٍ بعيد بـ«الحرب على الإرهاب» و«الحرب على السرطان» أو «الحرب على المخدرات»، حيث لم تكن المنظومة الرأسمالية جدية في يومٍ من الأيام على القيام بتلك «الحروب» بهدف الصالح البشري، بل على العكس تماماً.

لا نناقش هنا استخدام التكنولوجيا الرقمية التي تتعامل مع أنظمة الدفع الخاصة مثل: WeChat في الصين. كما أننا لا نناقش استخدام بطاقات الائتمان المصرفية، مثل: فيزا أو ماستر كارد أو غيرها. فهذا شيء آخر مختلف تماماً عن هدف الحرب الجارية على النقد. فهذه الخدمات خاصة ولا تملكها الدولة.
سحب النقود..
ما نناقشه هو: مؤامرة، ومؤامرة بكل ما للكلمة من معنى، من قبل البنوك المركزية الرائدة، وبعض الحكومات وصندوق النقد الدولي، بالتواطؤ مع البنوك الدولية الكبرى لإجبار المواطنين على التخلي عن استخدام النقد لدفع ثمن المشتريات، وبدلاً من ذلك استخدام البطاقات المصرفية الرقمية.
الفرق كبير جداً. بدأت الولايات المتحدة في أواخر عام 2016 بالتقديم لذلك. وفي النتيجة، سوف يفقد المواطنون «حريتهم الشخصية» في كيفية الدفع لمشترياتهم الخاصة. وإذا كنت ترغب في شراء سيارة والدفع نقداً، لتجنب رسوم الفائدة المصرفية، فلن تستطيع، لأن البنك سوف يسحب الفائدة من الأموال الرقمية في أي وقتٍ يشاء..! وإذا كنت ترغب في البقاء في فندق ما للاحتفال والدفع نقداً لأسباب تتعلق بالخصوصية، فليس ممكناً أيضاً...
في آذار من هذا العام، أصدر صندوق النقد الدولي في واشنطن ورقة عمل بشأن ما أسماه «سحب النقود». وتوصي الورقة بأنه «ينبغي أن يكون الانتقال على مراحل». ويلاحظ أن هنالك بالفعل «بعض الخطوات، مثل: الإلغاء التدريجي للعملات النقدية الكبيرة، ووضع سقوف على المعاملات النقدية، والإبلاغ عن التحركات النقدية عبر الحدود. ويمكن أن تشمل الخطوات الأخرى إيجاد حوافز اقتصادية للحد من استخدام النقد في المعاملات، وتبسيط فتح واستخدام الودائع القابلة للتحويل، وزيادة حوسبة النظام المالي».
وتضيف ورقة صندوق النقد الدولي أيضاً حجة للقضاء على النقد بأن «إلغاء النقود يجب أن يحسن تحصيل الضرائب عن طريق الحد من التهرب الضريبي». وقالت بكلمات أخرى: إنه إذا كنت مضطراً لاستخدام التحويلات المالية الرقمية فقط من أحد البنوك، فإن حكومات «منظمة التعاون والتنمية» في الميدان الاقتصادي تستطيع الوصول القانوني إلى بيانات مواطنيها.
وفي سويسرا، ونتيجة لحملات لا هوادة فيها من جانب واشنطن، تعرضت السرية المصرفية الأسطورية لضربة قاصمة، في ظل الحجة المزعومة لإعاقة تمويل المنظمات الإرهابية، غير أن نظرة على عناوين الصحف الأوروبية الأخيرة حول الهجمات من برشلونة إلى ميونيخ إلى لندن إلى شارلوتسفيل، تبيِّن أن هذه الحجة مجرد خدعة.
وفي عام 2016، توقف البنك المركزي الأوروبي عن إصدار فئات الـ500 يورو، باعتبار ذلك سيقوِّض الجريمة المنظَّمة والإرهاب – وهي مزحة سمجة- كما لو أن الشبكات المتطورة للجريمة المنظمة تعتمد على العملات الورقية. وفي الولايات المتحدة، يدعو كبار الاقتصاديين مثل: رئيس هارفارد السابق، لاري سمرز، إلى إلغاء ورقة الـ100 دولار للسبب نفسه المزعوم، ويطالب بـ10 دولار كحد أقصى للتبادل الورقي.
ما هو الهدف؟
الهدف الحقيقي للحرب على النقد كان محدداً في صحيفة «وول ستريت جورنال» من قبل الاقتصاديين في هارفارد وكبير الاقتصاديين السابقين في صندوق النقد الدولي نفسه، كينيث روغوف. إذ يرى روغوف، أنه ينبغي أن يكون هنالك انخفاض حاد في إصدار الاحتياطي الفيدرالي النقدي. ويدعو إلى إزالة الأوراق النقدية جميعها التي تتجاوز 10 دولارات من التداول، مما يجبر الناس والشركات على الاعتماد على المدفوعات الرقمية أو الإلكترونية فقط. ويكرر تعبيراً وهمياً أن خطته من شأنها أن تقلِّل من غسيل الأموال، وبالتالي، تقليل الجريمة، وفي الوقت نفسه، كشف الغش في الضرائب.
لكن جدول الأعمال الخفي في هذه الحرب على النقد هو: مصادرة أموالنا في الأزمة المصرفية المقبلة، التي لا مفر منها، سواء في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو البلدان النامية مثل الهند.
وقد اتبعت بنوك مركزية عدة بالفعل سياسة أسعار فائدة سلبية وتزعم- كاذبة- أن ذلك ضروري لتحفيز النمو بعد الأزمة المالية والمصرفية لعام 2008. وبالإضافة إلى ذلك، يلتزم البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان والبنك الوطني الدنماركي، بهذه السياسة الغربية. ومع ذلك، فإن قدرتها على خفض أسعار الفائدة لدى المصارف الأعضاء مقيدة طالما أن السيولة وفيرة.
الوثيقة تكشف الكثير
وثيقة صندوق النقد الدولي المذكورة أعلاه تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل. حيث ينص التقرير: أن «سياسة سعر الفائدة السلبية تصبح، على وجه الخصوص، خياراً ممكناً للسياسة النقدية إذا لم يتم تحقيق وفورات في العملة النقدية، وتقلصت إلى حد كبير. ومع سحب الأموال، سيتم تخزين معظم هذه الأموال في النظام المصرفي، وبالتالي، سوف تتأثَّر بسهولة بالمعدلات السلبية، مما قد يشجع على الإنفاق الاستهلاكي...»، ذلك لأن البنك الخاص بك سوف يبدأ بتقديم خدماته لكسب المزيد من المال. ولتجنب ذلك، يقال لنا: عليكم أن تنفقوا الكثير كما لو أنه ليس هنالك غد. ومن الواضح أن هذه الحجة واهمة.
ويشير الاقتصادي الألماني، ريتشارد فيرنر، في هذا السياق إلى: إن المعدلات السلبية ترفع تكاليف البنوك في ممارسة الأعمال التجارية: «تستجيب البنوك من خلال تمرير هذه التكلفة لعملائها. وبسبب معدلات الفائدة على الودائع الصفرية بالفعل، فإن هذا يعني أن البنوك سترفع أسعار الفائدة على القروض». ويلفت فيرنر إلى أنه «في البلدان التي أدخلت فيها سياسة أسعار الفائدة السلبية، مثل الدنمارك أو سويسرا، فإن النتيجة التجريبية هي: إنها ليست فعالة في تحفيز الاقتصاد. العكس تماماً، فالمعدلات السلبية تفرض من قبل البنك المركزي على البنوك، وليس على الجمهور المقترض».

إذا ربطنا النقاط مع بعضها، يصبح من الواضح أن الحرب على النقد هي حرب على حريتنا الفردية، و«درجة الحرية» بشكلٍ عام في حياتنا. إذ أن إجبار النقد على أن يصبح رقمياً هو الخطوة التالية نحو مصادرة حكومات الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة الأمريكية لأموال مواطنيها، وقتما اندلعت الأزمة المصرفية مثل التي حدثت في 2007-2008..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
826