تفجيرات إسبانيا: «بوديموس» يدعو لجبهة موحدة
لا تزال التحقيقات جارية في عددٍ من الهجومات الإرهابية التي حدثت خلال الأسبوعين الماضيين في إسبانيا وعددٍ من الدول الأوروبية، في ظل تصاعد وتيرة العمليات التي تبناها تنظيم «داعش» وأشباهه. فيما يلي، تعرض «قاسيون» هامشاً للإضاءة على الآلية التي يفسر فيها حزب «بوديموس» الإسباني هذا التصعيد، من خلال القراءة في بيانٍ صادرٍ عن ما يسمى بـ«حركة الصراع الطبقي».
اعتبر بيان الحركة الصادر عشية الأحداث الدامية في إسبانيا، أن «هذا الهجوم الرجعي يناهض مصالح الطبقات العاملة والمهاجرين العاملين في إسبانيا، ويناهض اللاجئين الذين يهربون من الأوضاع الهمجيّة التي خلقتها الإمبريالية في شرق المتوسط. وسوف يعزز هذا الهجوم ردّات الفعل على جميع المستويات، وسوف يستغله الجناح اليميني والإمبريالي كي ينشروا سمّ العنصرية وكراهية الأجانب، وليقسموا الطبقة العاملة. وسوف يستخدمونه أيضاً كذريعة لمهاجمة الحقوق الديمقراطية والحريات المدنية للسكان، سواء في إسبانيا أو حول العالم».
جزء من مساحة عالمية مستهدفة
لئن كنّا ندين هذا الهجوم الجبان والقاسي، فإننا لا ننسى لثانية – كما تفعل جميع الحكومات والأحزاب البرجوازية ووسائل الإعلام التابعة لها – بأنّ المجازر مثل التي وقعت في برشلونة تحدث بشكل أكثر فتكاً وهمجيّة بشكل يومي في دول مثل سورية أو العراق أو مصر أو باكستان أو نيجيريا أو السودان. ويتم تنفيذ هذه الهجمات في أكثر الأحيان عبر جماعات تدعمها وتمولها بشكل منهجي تلك القوى التي تذرف دموع التماسيح في حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية وحلفائها في شرق المتوسط مثل المملكة العربية السعودية، حيث لا ننسى لثانية أن الشعب اليمني يتعرض للتفجيرات جرّاء القصف العشوائي، ويعاني الحصار والمجاعة بسبب تحالف يقوده النظام الملكي السعودي، وهو النظام الصديق للأسرة المالكة الإسبانية ولتجمّع الشركات الإسبانيّة الكبرى، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
ليسوا لاجئين... بل أوروبيين مهمشين
اتبعت المجزرة في برشلونة نمط الهجمات المماثلة التي بدأت منذ عام ونصف في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، باستخدام السيارات والشاحنات الصغيرة والكبيرة لدهس المارّة العاجزين ولإحداث أكبر ضرر ممكن. وكما هو الحال في بلدان أخرى، فإن مرتكبي الهجوم في برشلونة ليسوا لاجئين من شرق المتوسط، كما تدعي وسائل الإعلام اليمينية الساخرة وغير الصادقة وجماعات كراهية الأجانب، بل مسلحين ولدوا وتربوا وتلقوا تعليمهم في أوروبا، وتلقنوا معتقداتهم في الأعوام الأخيرة في أرض خصبة من الفقر والبطالة والتهميش والتكتلات في الأحياء المهملة في جوف مدن باريس أو لندن أو بروكسل، أو بالتأكيد في جزر سبتة ومليلة المطوقة في شمال إفريقيا.
لقد ظهر بأنّ كلام حكومة حزب الشعب اليمينيّة، و«خبراء» مكافحة الإرهاب الذين تستضيفهم، حول الحصانة النسبيّة لإسبانيا ضدّ هذا النوع من الهجمات، بسبب الخبرة العملية في قتال منظمة «إيتا» وهجمات مدريد عام 2004، مجرّد عجرفة لا طائل منها. ليست الدولة الإسبانية في حلٍّ من هذه الأعمال، مثلها في ذلك مثل جميع القوى الإمبرياليّة التي ساهمت في خراب ودمار شرق المتوسط، بدافع الحفاظ على مصالح الأعمال الكبرى والشغف للسيطرة العسكرية والدبلوماسية على تلك البقعة الاستراتيجية في العالم.
تنتمي إسبانيا إلى ما يسمّى «التحالف الدولي»، الذي ترأسه الولايات المتحدة ضد ما تسميه بـ«الإرهاب الإسلامي». وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الجيش الإسباني لديه 425 جندياً في العراق، معظمهم موجود من أجل تدريب القوات المسلحة العراقية والشرطة. كما تشارك إسبانيا أيضاً في العملية المشتركة مع فرنسا في الغابون والسنغال، مع طائرتي نقل وحوالي مائة جندي على الأرض. وتمّ نشر حوالي 150 جندياً إسبانياً في مالي للتعاون مع القوات المحليّة. ونصبت إسبانيا في تركيا ثلاثين منصة لبطاريات الصواريخ المضادة للقذائف الباليستيّة بالقرب من الحدود السورية، بالإضافة إلى 150 جندي. وقد أوردت «داعش» في بيانها انضمام إسبانيا إلى الائتلاف الدولي كـ«ذريعة» لهجمات برشلونة.
الإرهاب وليد الإمبريالية
إن كان ردّ الحكومات الإسبانية والغربية على الهجوم الأخير في برشلونة، هو كما جرت العادة زيادة التدخلات العسكرية والإمبريالية في شرق المتوسط، فإنّه ينبغي دون أدنى شك توقع حدوث هجمات مماثلة على الأراضي الأوروبية.
وفي الوقت نفسه، ستثير الهمجيّة التي نراها في شرق المتوسط شباباً ينتمون للطبقات المتدنية في الأحياء الفقيرة في جوف مدن أوروبا، والتي تأثرت بشدّة بسبب أزمة الرأسمالية. وسيصبحون غنيمة سهلة للديماغوجيين، الذين يقبضون الأموال من السعودية ومن ممالك الخليج الفاسدة الأخرى. إنّ الصلة الوثيقة التي نشأت في العقود الأخيرة، بين شكل الهمجيّة المحدد الذي يمثله الإرهاب، وبين النظام الرأسمالي والإمبرياليّة، هي صلة واضحة.
معارضة التدخلات الإمبريالية... والتورط فيها
على اليسار الإسباني بشكل عام، وحركة «بوديموس» بالتحديد، واجب رفع مستوى إدراك الجماهير وأسر الطبقات العاملة لما يتعلق بهذه الأحداث. ويجب الإشارة إلى الصلة بين مصالح الشركات الإسبانية والغربية وحكوماتها وبين الفوضى التي عصفت بشرق المتوسط في السنوات القليلة الماضية، وصلتها قبل كلّ شيء بصعود الإرهاب، وبتعزيز هاتين الظاهرتين لبعضهما البعض. يجب رفض أيّة دعوة «لوحدة وطنية» أو «وحدة مؤسساتية» مع حكومة حزب الشعب ومع الجناح اليميني. يجب أن نطالب بسحب فوري للجيش الإسباني من شرق المتوسط وإفريقيا، وأن نصرّ على نقد هذا الوجود، ومعارضة التدخل الإمبريالي في مناطق العالم.
لا تتفق الرأسمالية مع التشغيل الكامل، ولا مع ظروف الحياة المتحضرة والكريمة للجميع. وهذا الأمر صحيح في الغيتوات ومدن الصفيح الجوفية، حيث تجد «داعش» مجنديها الأوربيين. يجب على «بوديموس» أن تضع سياسات اشتراكية جريئة قادرة على تقديم مخرج من هذه الأزمة الرأسماليّة الدائمة.
نحو الجبهة
يجب على «بوديموس» أن تدعو حزب العمّال الاشتراكيين الإسباني، ونقابات العمّال، لإطلاق جبهة موحدة للدفاع عن هذه المواقف، وللمطالبة بسحب القوات الإسبانية من شرق المتوسط وإفريقيا، والوقوف ضدّ تجريم «مجتمعات المهاجرين ذوي الأصول المسلمة»، والوقوف ضدّ أيّ تعبير عن كراهية الأجانب، والعنصرية يقوم بها اليمينيون والفاشيون والمجموعات الرجعية، ويجب فوق هذا أن تقوم بتعبئة السكان لمعارضة أيّة محاولة لحزب الشعب لتقليص حقوقنا الديمقراطية، أو لتشديد القانون الجنائي بحجّة «محاربة الإرهاب»، ويجب أن تطالب بشدّة بإبطال قانون قمع الرأي، وجميع مشاريع القوانين المماثلة، التي تمّ إقرارها في الأعوام الخمسة الماضية.
وينبغي مواجهة محاولات الحكومة لاستغلال هجوم برشلونة لكسب القوة، وإخفاء فضائح الفساد، والحدّ من المدّ المتصاعد لنضالات العمال، وعلى «بوديموس» أن تحشد جميع القوى الصالحة والتقدمية في المجتمع الإسباني، وأن تشرح وتبيّن الحاجة لإسقاط حكومة حزب الشعب، أكثر من أيّ وقت مضى. وأن تبيّن بأنّ سياستها الخارجية المتوائمة مع السياسات الإمبريالية لأوروبا والولايات المتحدة، سوف تفسح المجال للمزيد من الهجمات الإرهابية، والمزيد من المعاناة والألم لأسر الطبقة العاملة في إسبانيا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825