الخليج:  أزمة طرفي الصراع

الخليج: أزمة طرفي الصراع

تشهد الأزمة الخليجية تطوراً متسارعاً بحوامل الوساطة الكويتية- الأمريكية، العائدة من جديد بزخم أعلى، بغية الوصول إلى إنهاء حصار قطر مما عرف بـ«دول الحصار» (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، فما هي دواعي التحرك الكويتي-الأمريكي مؤخراً؟ وهل ستنجح هذه الوساطة، إذا ما افترضنا جدلاً أن واشنطن تريد فعلاً انتهاء هذه الأزمة؟

التعقيد الحاصل لأدوار الوساطة في هذه الأزمة يعود إلى أن المطلب الضمني للسعودية هو إلحاق قطر بالسياسات السعودية بشكل كامل، تحت ذريعة «دعم الإرهاب»، وهي كلمة حق أريد بها باطل، طالما أن السعودية لعبت الأدوار ذاتها في السنوات الأخيرة، ذلك عدا عن المحاولات المحمومة لفرض دور «كبش الفداء» على قطر...
حراك كويتي- أمريكي
صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في 7/آب الجاري، أن مبعوثين أمريكيين سيتوجهان إلى منطقة الخليج خلال هذا الأسبوع، في محاولات لحل الأزمة الدبلوماسية بين قطر والدول المقاطعة لها. وكان وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، قد تحدَّث للصحفيين قبل هذا التصريح قائلاً: «ملتزمون بحل هذا الخلاف على الأرض، واستعادة وحدة الخليج، لأننا نرى أن ذلك مهم للجهد المبذول منذ فترة طويلة لهزيمة الإرهاب في المنطقة».
هذه التحركات الأمريكية تزامنت مع أخرى كويتية، تعتبر الأكثر نشاطاً حتى الآن في الأزمة الخليجية، وهي مرغوبة قطرياً، وبدرجة أقل سعودياً كون الأخيرة أملت مراراً في انضمام الكويت إلى الحلف الرباعي ضد قطر، وليس لعب الوسيط ما تفعل في هذه المرحلة، وهذا ما انعكس في خطاب وسائل الإعلام المحسوبة على دول المقاطعة.
في هذا السياق، بعث أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، في 7/آب الحالي، رسالتين خطيتين لكل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أرسل أمير الكويت الرسالتين عن طريق وزير خارجيته صباح الخالد الحمد الصباح. وتبعها جولة لوزير الخارجية الكويتي، شملت سلطنة عمان والإمارات ثم البحرين.
بعد الزيارات الخمس للوزير الكويتي، نشرت صحيفة «الرأي»، الكويتية عن مصادر دبلوماسية خليجية، أن الكويت عبرت عن استعدادها لتقديم «ضمانات مشتركة مع الولايات المتحدة، في إطار مسعى جدي لحل أزمة قطر»، وعبرت الصحيفة عن تفاؤل حذر إزاء قرب تحقيق اختراق جدي في الأزمة، عبر إطلاق حوار مباشر بين الأطراف، وهو ما تؤيده واشنطن التي تحركت بدورها دعماً للوساطة الكويتية.
محاولات رص الصف
اعتكفت واشنطن في المراحل الأولى من الأزمة عن اتخاذ موقف واضح إلى جانب أحد الطرفين المتنازعين، واكتفت بتوزيع التصريحات المساندة هنا وهناك، كنتيجة للانقسام الحاصل داخل الإدارة الأمريكية في اتخاذ الموقف الموحد من هذه الأزمة، لكن ضمن منطق ترتيب الأجندة الأمريكية في المنطقة، يبدو أن واشنطن بدأت تستشعر ضرورة رص الصف الحليف المتمثل بدول مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الأولى، طالما أن الشهرين الماضيين حملا الإشارات الكافية لاستعصاء كسر العظم والتنازل بين الطرفين المتخاصمين، وبالتالي يملك خيار التوافق حظوظاً أكثر من التصعيد في هذه القضية، لكن حتى هذه اللحظة، تبقى تفاصيل الحل في مستوى عال من التعقيد سيأخذ وقتاً ليس بالقليل قبل عودة العلاقات إلى ما كانت عليه، والسبب يعود إلى تشابك الأدوار وتضاربها في الكثير من الملفات الإقليمية، كما هو الحال في ليبيا، أو علاقة هذه الدول مع إيران. هنا، نشهد ضيقاً للخيارات الخليجية بشكل عام وهو نتيجة طبيعية للسياسات المتبعة في السنوات الأخيرة، وعلى هذا التعقيد يمكن التنبؤ أيضاً بخيارات أمريكية أخرى في حال فشل المبادرات الحالية، هذه الخيارات قد تكون عكس التوجهات الأمريكية الحالية، أي: زيادة التصعيد إلى حدوده القصوى، في اللحظة التي تستنفد واشنطن قواها في هذه المنطقة، وبالتالي العمل على إحراقها، كما حاولت قبل ذلك فعلها مع حليفتها تركيا.
مناورات قطرية تركية
تواصل تركيا وقطر مناورات عسكرية تستمر عدة أيام تتضمن مشاركة 250 عسكرياً و30 آلية مدرعة تركية، حسبما ذكرت تقارير إعلامية تركية. وتأتي هذه المناورات، في خضم الأزمة الخليجية التي اندلعت بإعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، شملت إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران القطري.
وتؤيد أنقرة الدوحة بشكل كبير في هذه الأزمة، حتى أن الأولى بدأت بتشييد قاعدة تركية عسكرية في الإمارة الخليجية. وذكر الإعلام التركي الرسمي أن الفرقاطة التركية جوكوفا وصلت للدوحة في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ناقلة 214 جندياً سيشاركون في المناورات.
وبدأت المناورات يوم الثلاثاء الماضي، وتضمنت مبدئياً مشاركة القوات البرية على أن تشارك القوات البحرية لاحقاً، بحسب تلفزيون «إن تي في»، وقد حضر قادة عسكريون كبار من الطرفين في تمرين يومي السابع والثامن من شهر آب الجاري.
وتضع الأزمة تركيا في موقف حساس كونها تسعى إلى تحقيق توازن بين تحالفها الإستراتيجي مع قطر والحفاظ على علاقتها مع دولة إقليمية رئيسة كالسعودية. غير أنقرة قد سرّعت من عملية تشييد القاعدة فور اندلاع الأزمة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ على موازين القوى الإقليمية، وتفيد تقارير بتواجد 150 عسكرياً تركياً اليوم في قطر. وبعد زيارة إلى المنطقة نهاية الشهر الفائت شملت قطر والسعودية والكويت، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن حل الأزمة يحتاج إلى مزيدٍ من الوقت.

الضغط الاقتصادي
أكدت تقديرات اقتصادية عدة أن استمرار مقاطعة الرباعي العربي ( مصر والسعودية والبحرين والامارات) لقطر من شأنه خلق مزيد من الضغوط على احتياطي الدوحة من النقد الأجنبي، حيث فقدت قطر فعلياً 30% من رصيدها في حزيران الماضي، خاصة في ظل تراجع ثقة المستثمرين في الدوحة وسوق المال، والحاجة إلى تدبير عملات أجنبية لاستمرار ربط الريال بالدولار. حيث انخفض احتياطي قطر النقدي إلى 24 مليار دولار في حزيران، ليفقد نحو 10.4 مليار دولار خلال شهر، وهو أدنى مستوى له منذ خمسة أعوام.
وتشير هذه التقديرات إلى أنه لن يكون هنالك مفر أمام قطر لتوفير سيولة للمتعاملين عبر السحب من الاحتياطي الأجنبي وطرح سندات بالأسواق الدولية، ما يمهد إلى إدخالها في حالة مكثفة من التخبط الاقتصادي طويل المدى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
823