مصر: قديم عاجز... وجديد يمدّ يد التعاون

مصر: قديم عاجز... وجديد يمدّ يد التعاون

كيف تتعاطى مصر مع التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة في المنطقة والعالم؟ لم يعد خافياً على أحد تراجع الولايات المتحدة عن موقعها الريادي على مستوى صياغة العلاقات الدولية، التي حازتها في مرحلة الهيمنة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وهذه الحالة تقتضي بالضرورة مرحلة انتقالية بين القديم والجديد، بين القانعين عنوة بالموقع الجديد لواشنطن، وبين القديم المصرّ على الوقوف في وجه قانونية التاريخ وصيرورته...

فادي خضر
هذه الحالة الانتقالية بتجلياتها، تظهر في مواقف الإدارة الأمريكية من ملفات العالم والمنطقة، والتي توصف مجازاً «استمهالاً»، وواقعياً بـ«العجز» عن التقدم بالجديد للحفاظ قدر المستطاع على وجودها في دائرة التفاعل الدولي لحل القضايا العالقة، يظهر ذلك في الملف السوري، والليبي، والفلسطيني، وملف التوترات الخليجية - الخليجية مؤخراً...
مصر ملّت «الانتظار»؟
يجول الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب العالم من السعودية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم إلى فرنسا، لإعادة مشهد سابق ومتكرر كان يقتضي في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تحركاً أمريكياً واسعاً لترتيب أوضاع الحلفاء وإنعاش الأدوار والحصص المتفق عليها مع «المعلم الأكبر» حينها: الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه التحركات الأمريكية، كانت تؤدي دورها في زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة على العلاقات الدولية، لكن الملاحظ بعد التحركات الأمريكية الأخيرة على مستوى ترتيب العلاقات مع الحلفاء، هو تفشي خلافات كانت مستترة في مناطق زارها ترامب، وعاد إلى بلاده دون تخفيف أي منها، مثالاً الخلاف السعودي - القطري، بعد زيارة ترامب للسعودية. وبعدها العودة من فلسطين المحتلة دون تقديم أية إضافة على ما وصل إليه ملف القضية الفلسطينية...
بالعودة إلى السؤال حول موقف مصر من التغيرات الدولية والإقليمية، وربطاً بتفشي الخلافات الإقليمية وعدم تبلور أي تحالف إقليمي واضح المعالم، نتيجة تقاطعات المصالح وتضاربها، وحالة الفوضى الخلاقة أمريكياً، يمكن القول أن المطلوب مصرياً وما زال هو استعادة دورها كمنصة إقليمية مركزية وآمنة، حيث ينعكس ذلك على وضعها الداخلي ويسمح لها بالالتفات لمشاكلها الداخلية. هذا المطلب حدا بمصر لتوسيع شبكة علاقاتها الدولية سريعاً بعد سقوط حكم «الإخوان المسلمين»، بالتوجه شرقاً نحو روسيا ونحو الخليج العربي والسعودية تحديداً، لكن ضمن وتائر متباينة، لأن مصر كانت حتى الأمس القريب تناظر التغيرات الإقليمية والدولية وتحافظ على علاقات متناثرة بين الشرق والغرب، للاستفادة قدر الإمكان من وزنها الإقليمي في الحفاظ على أمنها القومي، وصمود الجبهة الداخلية اقتصادياً.
لكن التخبط الأمريكي المستمر، بما يحمله من أزمات في المنطقة، وعزوفه عن المشاركة الحقيقية في القضايا العالقة حول مصر، وتحديداً في سورية وليبيا وفلسطين المحتلة، انتقل من حالة «مؤرقة» لمصر، إلى حالة «خطر داهم» نذوره واضحة في شمال سيناء، وبدأت تتوضح أكثر على الحدود الليبية - المصرية، وبالتالي، فمصر باستشعارها المخاطر على أمنها القومي، تخطو سريعاً وبمن حضر من مسانديها لإبعاد شبح الأزمات الإقليمية، حتى لو اضطرها ذلك للمضي في هذا الطريق دون التنسيق مع «الحلفاء الاسميين» كواشنطن والرياض. وقد ظهر ذلك مؤخراً في مكانين: أحداهما كلمة السيسي في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض، والثانية في ضرب الطائرات المصرية لمواقع الإرهابيين في ليبيا.
ليس لدى الأمريكي ما يقدمه
الواقعة الأولى في القمة «العربية الإسلامية الأمريكية»، شهدت خطاباً للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، استمر حوالي اثنتا عشرة دقيقة تناول فيها قضية واحدة هي مسألة مكافحة الإرهاب، ضمن رؤية مصرية تكونت من أربع نقاط، بما فيها من رسائل مبطنة، فسرها كثيرون على أنها موجهة لتركيا وقطر بشكل رئيس، لكن واشنطن نفسها تلقت رسالة مبطنة من مصر عندما حث الرئيس المصري، نظيره الأمريكي على «إحداث النقلة النوعية المطلوبة دولياً»، بحيث تتم صياغة «خطة عمل واضحة بإطار زمني محدد تجتث الإرهاب من جذوره تمويلاً وتسليحاً...». هنا، تربط مصر «النقلة النوعية الأمريكية» المفترضة بالإطار الدولي، ثم تشير إلى الخطة والزمن كناية عن مطلب الجدية والفعالية في مكافحة الإرهاب.
الجدير بالذكر أن لقاء ترامب - السيسي على هامش هذه القمة، لم يخرج التداول فيه إعلامياً عن منطق التهكم والسخرية، بعد «إعجاب ترامب بحذاء السيسي»! لكن ما يهمنا هو النتيجة بالمعنى السياسي لهذا اللقاء بين واشنطن والقاهرة، وهي في الحقيقة عجز واشنطن عن تقديم أية مبادرة فعلية تنتظرها القاهرة في معركتها ضد الإرهاب.
مع روسيا ضد الإرهاب
بعد ساعات على هجوم مسلح في 26/أيار استهدف مدنيين في محافظة المنيا وسط مصر، أسفر عن سقوط 29 مدنياً، وتبناه تنظيم «داعش» الإرهابي، بدأ سلاح الجو المصري شنّ غارات جوية على ما أسماه «مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية التي شاركت في تنفيذ هجوم المنيا».
أكد المتحدث باسم الجيش المصري، العقيد تامر الرفاعي، في تصريحه لموقع صحيفة «الأهرام» المصرية الحكومية مساء الاثنين الماضي 29/أيار، أنه «لم يتم إعلان توقف العمليات العسكرية لبلاده ضد مواقع تدريب الإرهابيين في ليبيا».
هنا، تبدو العمليات المصرية على الحدود الليبية أكثر من عمليات رد فعل على «أحداث المنيا»، حيث تشهد الحدود المصرية - الليبية حشوداً عسكرية مصرية، مترافقة مع طلعات جوية مستمرة لتمشيط الحدود، بالتنسيق مع الجيش الليبي.
التحركات المصرية المتصاعدة على الحدود مع ليبيا، تزامنت مع تحرك سياسي واسع، بإعلان لقاء مرتقب مع الجزائر وتونس لبحث الأزمة الليبية، والأهم زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين، سيرغي لافروف، وسيرغي شويغو، إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم الأحد الماضي 28/أيار، واستمرت ليومين، ضمن ما يعرف بصيغة «2+2».
وفي أعقاب المباحثات أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن روسيا تؤيد كل المبادرات من أجل مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن هدف موسكو هو اجتثاثه من جذوره، معرباً عن أمله في أن مباحثاته في القاهرة ستسمح بتبادل الآراء حول تسوية الأزمات في المنطقة، وخاصة في سورية وليبيا والعراق، فضلاً عن القضية الفلسطينية، إضافة إلى مسائل التعاون الثنائي بما في ذلك المجال الاقتصادي التجاري.

التعاون مع الجدّيين في مكافحة الإرهاب
من جانبه، تطرق وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى المسألة الأمنية في ليبيا، مؤكداً: أن الجماعات الإرهابية الموجودة في هذا البلد تعتبر تهديداً للأمن المصري. ولفت شكري: «من الضروري دعم المسار السياسي في ليبيا ونحن ندعم اتفاق الصخيرات»، معيداً التذكير بأن «مصر تعمل بشكل منسق ووثيق مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب».
أكد شكري أنه: تم بحث مسألة الإرهاب خلال الاجتماع، مؤكداً أن هنالك تطابقاً في وجهات النظر بين البلدين بشأن ضرورة اعتماد رؤية شاملة في محاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها، مؤكداً على ضرورة التعاون بين مصر وروسيا من أجل القضاء على الإرهاب، مشدداً على أنه لا غنى عن قدرات روسيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
813