«ميناء الحديدة»: بوابة العودة اليمنية إلى مجلس الأمن؟

«ميناء الحديدة»: بوابة العودة اليمنية إلى مجلس الأمن؟

على الرغم من تصدر الوضع الإنساني الكارثي في اليمن تقارير المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إلا أن الحراك السياسي المفترض تنشيطه لإخراج اليمن من هذه الكارثة يظهر خجولاً أو حتى معدوماً في الأشهر القليلة الماضية، لمصلحة اشتداد المعارك على مختلف الجبهات في اليمن.

السؤال مشروع هنا حول نوايا الرباعية الدولية «الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات»، في إيجاد مخرج سياسي للأزمة اليمنية، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الخاص بالأزمة اليمنية. وإعادة طرح هذا التساؤل مرتبطة بالتحضيرات الأخيرة لـ«التحالف العربي»، بقيادة السعودية، للسيطرة على كل من صنعاء وميناء الحديدة، بتغطية أمريكية بريطانية كاملة، مع إمكانية التدخل المحدود إلى جانب هذا التحالف...

ميناء الحديدة - صنعاء

بعد قرار إيقاف شحنات الأسلحة الأمريكية للسعودية، المترافق مع قانون «جاستا» لمحاسبة الدول الداعمة للإرهاب، تلقت السعودية مؤخراً وعوداً بشأن تمرير صفقات أسلحة ذكية، كان أوباما قد أوقفها سابقاً، ذلك في لقاء محمد بن سلمان مع ترامب في آذار الماضي، مع أن إدارة ترامب لم تتخذ بعد قراراً نهائياً بهذا الشأن، بحسب ما نقلته «فورين بوليسي»، عن أحد المستشارين في إدارة ترامب.

لكن المؤكد أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر للسعودية، حيال تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، على السواحل اليمنية، وباتجاه العاصمة صنعاء، وهو ما يجري التحضير له بشكل جدي من قبل قوات التحالف، حيث اختتمت في 6/نيسان الحالي مناورات «حسم العقبان 2017»، في الكويت، بمشاركة كل من السعودية وقطر والإمارات، والولايات المتحدة، واستمرت المناورات ثلاثة أسابيع، شملت تدريبات فرق خاصة، على الهجوم بهدف تخليص منشآت حيوية بحرية واستعادة مناطق من «إرهابيين مفترضين».

بالتزامن مع ذلك، تناقلت الأنباء مشاركة الإمارات مع «الكيان الصهيوني» والولايات المتحدة في مناورات عسكرية مشتركة تحت مسمى «إينيوهوس 2017» في اليونان 27/آذار الماضي، بغرض التدرّب على خوض المعارك الجوية، وتجنب الصواريخ المضادة للطائرات.

إلى ذلك، وضمن تجهيزات المعركة للسيطرة على ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله، تستمر عمليات تأهيل ميناء المخا، ليكون بديلاً عن ميناء الحديدة، بغرض استقبال المعونات الغذائية والطبية.

هذه التجهيزات وغيرها، مثل: تأمين طرق الإمداد المارة عبر «معسكر خالد»، لا تبدو أنها ضامنة لعملية عسكرية ناجحة بالنسبة لقوات «التحالف العربي»، بعد الفشل الذريع الذي حققته عملية «الرمح الذهبي» في آذار الماضي، لكن المعوقات ليست عسكريةً فحسب، فالأمم المتحدة رفضت إدارة ميناء الحديدة، بحسب الطرح السعودي، والدخول في معركة غير محسوبة النتائج تماماً، تضع ضمن الاحتمالات استمرار المعارك لأسابيع وربما لأشهر، في منطقة تستقبل 70% من واردات البلاد بما فيها المساعدات الإنسانية، كما أن 2.5 مليون مواطن في تلك المنطقة قد يشكلون أكبر حالة نزوح تشهدها اليمن، مما يزيد الكارثة الإنسانية في البلاد.

ومن جهة أخرى، فإن انتشار الفوضى على السواحل اليمنية، نتيجة اشتداد المعارك كما هو متوقع، قد يهدد ممر التجارة عبر البحر الأحمر، «10% من التجارة الدولية تمر عبر البحر الأحمر».

على الجبهة الرئيسة الأخرى، تحاول القوات الموالية للرئيس هادي تثبيت نقاطها في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، بإسناد جوي كثيف، من قبل طائرات التحالف، لكن بعد عدة أسابيع على إطلاق العملية العسكرية هناك، لا يمكن رصد تقدم كبير، يغير موازين القوى على الأرض في تلك الجبهة، رغم زخم المعارك والخسائر الكبيرة في صفوف القوات المهاجمة «الموالية للرئيس هادي»، والتي تفرضها الطبيعة الجغرافية للمنطقة هناك.

وبالنظر إلى تعقيد الوضع العسكري، والخيارات الضيقة لواشنطن وحلفائها في اليمن، يبدو أن واشنطن أعطت فرصة التقدم للسعودية عسكرياً، لكن دون تحمل تبعات المعركة، تحسباً لنهايتها بنتائج عكسية، كما حصل في عملية الرمح الذهبي، أو قبلها محاولات السيطرة على تعز، من هنا تتريث إدارة ترامب في خياراتها العسكرية وتَقْصِرُها على ضربات جوية انتقائية على مواقع «تنظيم القاعدة»، بحسب بيانات الكونغرس الأمريكي، منعاً لانزلاق غير محسوب في المستنقع اليمني، طالما أن السعودية تراهن بكل ما تملك من قدرات مالية وعسكرية، على تحقيق إنجاز ما في الملف اليمني، مستندةً إلى مجرد إيماءات أمريكية باندفاعة عسكرية قادمة إلى المنطقة كالتي تعلنها مثالاً حيال الملف السوري.

احتمالات العودة إلى مجلس الأمن

بحسب نتائج تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الصادر في نيسان الحالي عن منظمة الفاو، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة «يونيسف»، فإن 78% من الأسر في اليمن تعيش في ظروف أسوأ مما كانت عليه في فترة ما قبل الأزمة، وتوقعت النتائج أن تتأثر الواردات التجارية والإنسانية بشدة، إذا ما تم الإضرار بالبنية التحتية لميناء الحديدة، من خلال المزيد من الغارات الجوية، أو في حال تحويل المعركة إلى داخل مدينة الحديدة، مشيرةً إلى احتمال كبير لزيادة تدريجية في أسعار السلع الأساسية، كما أن انعدام الاستقرار في اليمن قد يشهد تدهوراً مفاجئاً في الأوضاع الإنسانية، فيما لو أدى الصراع إلى تقليص الواردات بشكل كبير.

في السياق نفسه، يؤكد عبد الحكيم الكحلاني، الناطق الرسمي لوزرة الصحة اليمنية، في بيان صحفي: إن طفلاً يمنياً يقضي نحبه كل عشر دقائق وفق تقارير منظمة اليونيسف، معتبراً أن ما يحدث للنظام الصحي في اليمن من أكبر الجرائم في التاريخ المعاصر، خاصةً بعد إغلاق مطار صنعاء الدولي، ومنع الجرحى من السفر للعلاج في الخارج.

هذه الأوضاع التي تهدد الشعب اليمني بأكمله، لا تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لواشنطن وحلفائها السعودية والإمارات، رغم أن هذه الأطراف إلى جانب بريطانيا، المستمرة في إمداد دول الخليج بالأسلحة، هي المجموعة التي أخذت على عاتقها حل الأزمة سياسياً وليس عسكرياً، وبالتالي فإن الاحتمالات الناتجة عن معركة الحديدة، والتي تحذر منها الأمم المتحدة، وروسيا بشكل دوري، من شانها نقل الملف اليمني إلى مستوى جديد من التعاطي الدولي حيال الأزمة السياسية والإنسانية هناك، أي احتمال عودة الملف اليمني إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، لاستصدار قرار جديد، قد لا يكون أفضل حالاً  بالنسبة لواشنطن وحلفائها من القرار 2216، والذي صدر في مرحلة مبكرة من عمر الأزمة اليمنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
806