كوريا الجنوبية: الصراع على ضبط الشركات الكبرى
مالك موصللي مالك موصللي

كوريا الجنوبية: الصراع على ضبط الشركات الكبرى

شكّل اتهام، لي جاي يونغ، وريث مجموعة «سامسونج» بفضيحة جديدة، أحدثَ انفجار في «سلسلة الفضائح السياسية المدوية» التي تجري اليوم في كوريا الجنوبية بانتظام. وكان البرلمان قد وافق على إقالة الرئيسة، بارك جيون هاي، ابنة الرئيس السابق بارك تشونغ هي، يوم 9/كانون الأول الماضي. ولدى المحكمة الدستورية الآن ستة أشهر للتصديق على إقالتها، من منصبها بشكل نهائي. وبناءً على قرارها، يمكن عقد انتخابات رئاسية في غضون الأشهر القليلة المقبلة.

كما يوضح اتهام لي، أن الرئاسة ليست وحدها المعرضة للخطر في هذه الأزمة، في قلب هذه الفضيحة نجد أيضاً العلاقة المتبادلة بين السياسيين ومجموعةً من الشركات والتكتلات العائلية العملاقة في كوريا الجنوبية. وإذا استغلت الحكومة هذه الفرصة لتحويل البنية التي يهيمن عليها اقتصاد هذه التكتلات، فإنها بذلك ستعيد تشكيل المستقبل الاقتصادي للبلاد أيضاً، وطبعاً، وفقاً للقوانين التي تفرضها الأزمة الاقتصادية العالمية.
مشاكل الشركات ليس جديدة
اتًّهمت (بارك) باستخدام نفوذها السياسي لمصلحة صديقتها المقربة، تشوي سون سيل، والتي تم سجنها بسبب إجبار الشركات الكورية الجنوبية العملاقة على تحويل نحو 80 مليار ون كوري أي ما يعادل (70 مليون دولار) إلى اثنتين من منظمات الـNGOs التي تتحكم فيها بشكل فعلي. كما يُشتبه في تدخلها في مختلف شؤون الدولة، بما في ذلك التعيينات الوزارية، والزيارات الرسمية، على الرغم من أنه ليس لها أي منصب رسمي.
إلى حد ما، هذا ليس شيئاً جديداً في كوريا الجنوبية، فقد انتزعت معظم الإدارات المال من التكتلات  العملاقة، غالباً بمساعدة أعضاء النيابة العامة والسلطات الضريبية. في مقابل هذا المال، والذي يستخدم لتمويل المشاريع الحكومية المكلِفة، أو حتى الحملات السياسية، تحصل الشركات العملاقة على امتيازات واسعة، مثل القروض المصرفية الزهيدة الفائدة، أو القوانين التفضيلية.
وقد ظلت هذه العلاقة المتبادلة قائمةً منذ بداية التحول الاقتصادي في كوريا الجنوبية، في عام 1960. ويُعزى التقدم السريع، الذي حققته البلاد للنمو القوي للصادرات الصناعية المدعومة بكارت أخضر منحته الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية.
الاختلالات في العمق
عَمِل والد بارك، الذي قاد كوريا الجنوبية في الفترة ما بين سنة 1961 حتى اغتياله في عام 1979، بشكل وثيق مع الشركات العملاقة، وساعدها، أولاً: بمنحها مزايا نسبيةً في الصناعة الثقيلة، ومن ثم في الاستثمار في المزيد من الصناعات ذات رأس المال الكثيف، بما في ذلك صناعة السيارات وبناء السفن، والمواد الكيميائية.
اليوم، تنتج هذه التكتلات العملاقة ما يقرب من ثلثي صادرات كوريا الجنوبية - وذلك ليس بالأمر الهين، في سادس أكبر دولة مصدرة في العالم. «سامسونج الكترونيكس» هي أكبر شركة في المجموعة، وتمثل 20٪ من إجمالي الصادرات الوطنية. وحازت على المرتبة 13 في قائمة «فورتشن 500» العالمية لعام 2016، وتشمل قيمة «سامسونج» خُمس الأسهم في السوق الكورية الجنوبية.
ونظراً لكون العائلات المؤسسة مسؤولةً عن الإدارة العليا لهذه التكتلات العملاقة، فهي تركز على رؤية طويلة الأجل، بدلاً من تحقيق الأرباح على المدى القصير، ويمكنها تعبئة الموارد بسرعة. اٍن كفاءة هذا النموذج واضحة في نجاح التكتلات العائلية العملاقة «كأتباع  سريعين» لأهم الشركات الأمريكية واليابانية.
ومع ذلك، فان الهيكل الإداري الهرمي للتكتلات العملاقة، غالباً ما يكون صارماً في تصحيح القرارات الخاطئة. وقد تعرضت العديد من التكتلات العملاقة  للإفلاس خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، بعد أن قامت باستثمارات مفرطة وغير مربحة.
وعلاوةً على ذلك، فإن مِلكية التكتلات العملاقة غالباً ما تكون غامضةً، مع شبكات لمالكي الأسهم تسمح للعائلات المؤسِسة بممارسة السلطة، على الرغم من امتلاكها لجزء صغير من الأسهم، مثلاً: لدى أسرة (لي) أسهم مباشرة تبلغ أقل من 5٪  في شركة «سامسونج الكترونيكس»، لكنها تملك حصة 31.1٪ في شركة «سامسونج» للبناء والتجارة ، الشركة الفعلية المالكة للمجموعة، والتي تملك حصة 4.3٪ في شركة «سامسونج الكترونيكس»، وحصة 19.3٪ في شركة «سامسونج» للتأمين على الحياة.
منشأ التوتر السياسي؟
مثل بقية الشركات والتكتلات العملاقة، تخاطر شركة سامسونج بفقدان مكانتها في الأسواق العالمية، بسبب الفجوة التكنولوجية الضيقة مع الصين. وعلى الرغم من كون كوريا الجنوبية لا تزال «متقدمةً تصنيفياً» على الصين في فروع التكنولوجيا العالية، مثل: رقائق الذاكرة والسيارات، فإن تقدمها آخذ في التناقص، في العديد من الصناعات الرئيسية، مثل: الصلب والسفن والبتروكيماويات، والإلكترونيات. في الأسواق الناشئة، فقدت سامسونج للإلكترونيات بالفعل حصتها في السوق لصنّاع الهواتف الذكية الصينية مثل «هواوي» و«أوبو».
وفي سياق هذا الضغط القوي، في العام الماضي، يُقال: إن مون هيونغ-بيو، وزير الصحة والرعاية الاجتماعية في كوريا الجنوبية، ضغط على خدمة المعاشات الوطنية، لتدعم الاندماج المثير للجدل بين شركتين تابعتين لمجموعة سامسونج، التي تُعتبر أساسيةً لضمان سلاسة نقل السيادة الإدارية لصالح لي. مون، الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لمصلحة المعاشات الوطنية، تم القبض عليه الآن لقيامه بتلك الخطوة.
ويرتبط تورط (لي) أيضاً بهذه القضية. وهو متهم بالتبرع لفائدة منظمتي NGOs أساسيتين لصاحبتهما تشوي، وبتمويل ابنة تشوي، مقابل الدعم الذي تلقاه. وهو متهم أيضاً بالاختلاس والإدلاء بشهادة الزور.
وبينما تعقد الحكومة صفقات مع التكتلات التجارية، والشركات العملاقة، تجهد الشركات الصغيرة المبتدئة والمتوسطة الحجم (المقاولات الصغيرة والمتوسطة) من أجل أن تشق طريقها إلى السوق. وتبلغ إنتاجية عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة 35٪ فقط  من إنتاجية الشركات الكبرى. أما إنتاجية العمل في قطاع الخدمات فتبلغ 45٪ من حجم قطاع الصناعات التحويلية - فقط نصف معدل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولخلق مناخٍ أعمال، لفائدة الشركات الصغيرة المبتكرة، والمبتدئة، برزت ضرورة إنهاء هيمنة التكتلات والشركات الكبرى، ويتعين على زعماء كوريا الجنوبية تنفيذ قوانين صارمةٍ لمنع المعاملات غير القانونية، بما في ذلك التواطؤ بين الشركات والمسؤولين الحكوميين.
فيما مضى كانت التكتلات التجارية والشركات العملاقة، مفيدةً بالنسبة لكوريا الجنوبية. ولكن الزمن قد تغير، وبات نظام التكتلات مضراً أكثر مما هو نافع. وباتهام الرئيسة (بارك) اكتسبت كوريا الجنوبية فرصةً مثاليةً للتخلي عن تركة والدها أيضاً.
مما سبق، يمكن القول: إن حالة «التوتر السياسي» الذي تشهده كوريا الجنوبية اليوم، ناتجةٌ، في العمق، عن تلك التناقضات التي احتدت في المعنى الاقتصادي، بين الشركات الكورية الجنوبية، التي تتحكم في نهاية المطاف، بمن سيملك زمام السلطة في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
795
آخر تعديل على السبت, 28 كانون2/يناير 2017 21:23