الشعب الفلسطيني الباسل يقاوم المجازر الدموية الصهيونية
سطر الشعب الفلسطيني الباسل وقواه الوطنية خلال الغزو الإسرائيلي الهمجي، أعلى درجات البطولة والتضحية والفداء، في وجه بربرية حكومة شارون العنصرية الصهيونية وجيشها المدجج بمختلف أنواع الأسلحة الأمريكية وأحدثها، وكان مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته عن كم2 واحد النموذج الرائع لهذه البطولة. وقد وصف أحد الكتاب جنين بـ «كومونة العرب» فإذا كان رجال كومونة باريس قد تحدوا السماء، فإن رجال كومونة جنين تحدوا الآلة الحربية الإسرائيلية ببسالة نادرة وعزم لا يلين، لقد رفض المقاتلون الأشاوس الاستسلام وظلوا يقاومون حتى نفدت ذخيرتهم، وألقي القبض عليهم وهم واقفون باعتزاز، مستقيمي الظهور، شامخي الرؤوس، بعد أن كبدوا العدو في اللحظات الأخيرة أكثر من عشرين قتيلاً. لقد فضلوا الموت على الاستسلام وينطبق عليهم قول الشاعر العربي:
يجود بالنفس إذا ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
هكذا كان أطفال كومونة "جنين غراد" ينظمون حراسة بلدتهم.. يلعبون ويسخرون من الاحتلال ومن الموت .. وقبل أن يرحلوا .. تركوا لنا سؤالا وحذاء..
مجازر لا مثيل لها
لقد استخدم الجيش الإسرائيلي في غزوه جميع الأسلحة الأمريكية التي في حوزته، وسلك جميع الطرق البربرية لكسر إرادة هذا الشعب، وإجباره على الاستسلام. فطائراته دمرت جنين تدميراً كاملاً، وجرافاته هدمت الدور على رؤوس أصحابها، ومسحتهامن على وجه الأرض وقتلت المئات من الفلسطينيين، وتركوا في الشوارع، ومنعوا إسعاف الجرحى، بل دمروا سيارات الإسعاف، ودفنوا الضحايا في مدافن جماعية، لقد تركت القوات الإسرائيلية المعتدية جنين قاعاً صفصفاً. وحتى لا يكشف هول فظائعهم، منعوا رجال الإعلام من مشاهدة ما اقترفت أيديهم الملطخة بالدماء، ولكن مهما حاولت طمس جرائمها البشعة فلن تبقى مخفية عن أنظار العالم الذي أخذ يعرف تدريجياً مدى الدمار والقتل الذي خلفه هذا الغزو.
«عشرة أيام هزت العالم»!
إن الأيام العشرة من الغزو الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والمقاومة البطولية التي قوبل بها لم يهز العالم العربي فقط، بل هز العالم بأسره، وبدأت تظاهرات الغضب والاستنكار تتصاعد في كل البلدان، مطالبة بوقف العدوان وانسحاب القوات المعتدية وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه.
نتائج الغزو الإسرائيلي
لقد أسفر هذا الغزو عن تنائج عديدة يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
1- فشل الغزو الإسرائيلي:
لاشك أن الشعب الفلسطيني تكبد خسائر جسيمة أثارت غضب العالم واستنكاره، لكن هذا الشعب باق، وإذا كانت القوات الغاشمة قتلت المئات من الفلسطينيين، وسببت دماراً كبيراً في ممتلكاته، فإن هذا العدو غير قادر أبداً على القضاء على شعب تعداده ثلاثة ملايين في الداخل وأربعة ملايين في الشتات. وفي الوقت ذاته فإن شارون الذي كان يريد القضاء على مقاومة الشعب وترحيله إلى بلدان أخرى لم يتحقق، وإن الأمن والسلام الذي وعد به الاسرائيليين مازال بعيداً، فضلاً عن انكشاف هذه الدولة العنصرية المعتدية أمام العالم، حيث وجدت نفسها معزولة أكثر من أي وقت سابق.
2- شعب مقاوم:
كما أن هذا العدوان كشف بجلاء أمام العالم أجمع أن هناك شعباً باسلاً عنيداً، على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل حقوقه واستقلاله وكرامته. وهذا الصمود جعله يكسب عطف العالم وتأييده، وهذا ما لم تكن تتمناه، لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة.
3 - نهوض شعبي عربي:
كما أن مقاومة الشعب الفلسطيني حركت الشعوب العربية ودفعتها إلى النهوض للنضال، رغم إرادة حكامها معبرين عن تأييدهم لأشقائهم الفلسطينيين صابين جام غضبهم على المعتدين الإسرائيليين وحماتهم وراء المحيط.
4 - استنكار عالمي:
منذ العدوان الأمريكي على فيتنام البطلة لم يتحرك العالم كما تحرك هذه الفترة. فقد هبت المظاهرات في كل البلدان مستنكرة العدوان الإسرائيلي، وداعية إسرائيل لسحب قواتها المعتدية، كما أن قوى السلام تحركت لتقديم جميع المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني المنكوب، حتى إن بعض أنصار السلام، والمثقفين العالميين جاؤوا ليقفوا إلى جانب السلطة الفلسطينية ضد الهمجية الإسرائيلية.
5 - الدعم الأمريكي:
لقد كشف هذا العدوان أمام الشعوب العريبة و العالم التواطؤ الأمريكي وعداءه للفلسطينيين ووجدت الحكومة الأمريكية نفسها وسط بحر من الغضب والحقد، وخصوصاً الشعوب العربية التي نددت بالمواقف الأمريكية وطالبت بمقاطعة بضائعها وضرب مصالحها في كل مكان.
6 - تواطؤ الحكام العرب:
كما أن هذا العدوان كشف بوضوح تخاذل الحكام العرب، بل تواطؤهم مع الإمبرياليين الأمريكان والأعداء الصهاينة، وقد تبين أن السبب الرئيسي وراء هذه الموقف هو ارتباطهم بعلاقات اقتصادية، سرية وعلنية مع إسرائيل، وأن مصلحتهم ليست مع شعوبهم بل مع الأعداء وهكذا تقدمت المصالح الاقتصادية على المصلحة القومية.
7 - باول في المنطقة:
إن الصمود، الفلسطيني، والفشل الإسرائيلي، والغضب الشعبي العربي على الولايات المتحدة، دفع حكام واشنطن إلى إرسال وزير خارجيتهم باول إلى المنطقة، قبل أن يفلت زمام الأمور، ولكن هذه الزيارة تبين لمن يتابع الأحداث أن هدفها ليس وضع حد للعدوان وانسحاب قوات المعتدي، بل للضغط على القيادة الفلسطينية وعلى العرب المجاورين لإسرائيل لتقديم تنازلات للمعتدين الإسرائيليين. فبدلاً من أن يبدأ باول زيارته بمقابلة القيادة الفلسطينية المحاصرة ذهب إلى المغرب ليلتقي بعقري الرجعية الملك محمد السادس والأمير السعودي عبد الله، ثم انتقل إلى مصر ليقابل سمسارهم في المنطقة حسني مبارك ليبحثا عن وسائل للضغط على الرئيس عرفات، وقد ظهر هذا جلياً عندما جاء وزير الخارجية المصري أحمد ماهر إلى رام الله وقابل عرفات قبل مجيء باول، وأسفر هذا الضغط عن البيان الذي أصدرته القيادة الفلسطينية وأدانت فيه ما وصفته كافة «الأعمال الإرهابية»! التي تستهدف المدنيين سواء كانوا إسرائيليين أم فلسطينيين، وبذلك حقق باول أحد الأهداف التي كانت إسرائيل تسعى لتحقيقها. وعندما جاء باول إلى إسرائيل وأدلى بتصريحات تراجع فيها عما قاله سابقاً وضرب قرارات مجلس الأمن الداعية إلى انسحاب القوات الإسرائيلية فوراً من الأراضي الفلسطينية، وإضافة إلى ذلك قام بزيارة إلى المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة للاطلاع على الوضع هناك، حيث يقوم حزب الله يومياً بتوجيه ضربات للقوات الإسرائيلية المتمركزة في مزارع شبعا اللبنانية، والتي تصر إسرائيل على إبقائها تحت سيطرتها، ولتوجيه التهديدات إلى سورية ولبنان واتهامهما بدعم حزب الله.
إن الشعبين السوري واللبناني يطالبان باسترداد أراضيهما كاملة، ولن يتنازلا عن شبر واحد منها، ولا تخيفهما التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، وسيقاومان أي عدوان متوقع عليهما.
لقد أكدت السنوات الخمسين الماضية أن العدو الإسرائيلي لا يريد أرض فلسطين فقط، بل تمتد مطامعه إلى البلدان العربية جميعها، وإن جميع الوسائل السياسية والمفاوضات والاتفاقات لم تجد نفعاً، بل زادت الأمور تعقيداً، وتمادياً، ولم يتبق أمام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية إلا أن تحزم أمرها، وتصمم على استعادة حقوقها وصون كرامتها بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها السلاح، فليس هناك إلا سبيل واحد عبر عنه الشاعر العربي بقوله:
وحارب إذا لم تلق إلا ظلامة شبا الحرب بخير من قبول المظالم
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 173