الموازين الدولية تمد حَبْل النجاة لليبيا
يرجح عدد من الباحثين أن الجانب الروسي قد باشر في تفعيل مسار عمله في الأزمة الليبية منذ صيف العام 2016، بعدما بدت الفترة الممتدة منذ عام 2011 حتى تاريخه على أنها فترة «النأي بالنفس» عن الأحداث التي عصفت في البلاد.
في مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، تؤكد بعض التقارير ظهور عدد قليل ومحصور من الفنيين العسكريين الروس على الأرض في برقة، بهدف إعادة تأهيل بعض القوات الليبية التي تحارب المنظمات الإرهابية، وتجديد منظومات السلاح، وتحسين الدفاعات البحرية والجوية، وبحسب المعلومات، فقد جرى ذلك في ظل تنسيق روسي مصري فعال.
إعداد: وائل نمر
تشير مصادر عدّة، إلى أن مستشارين عسكريين روس، يقدّمون المساعدة للقوات الليبية التي يقودها اللواء خليفة حفتر، انطلاقاً من برقة أو القاهرة. هذه المعطيات، إلى جانب التقارير عن قيام عبد الباسط البدري، الوسيط في فريق حفتر، بطلب أسلحة صغيرة وطائرات في شهر أيلول الماضي من الجانب الروسي.
حفتر ليس «رجل موسكو»
وقد عمد ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، إلى تعزيز المشاركة الروسية عبر البحث عن حليف موثوق ويعوِّل على روسيا، من أجل تقديم الدعم إليه. وعلى الرغم من أن الفصائل في النزاع الليبي جميعها تأمل بالحصول على الدعم الروسي، يبدو أن خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني الليبي»، هو الرجل الأكثر قدرة حتى الآن على تفعيل القتال ضد المجموعات الإرهابية في ليبيا، وهو ما تريده موسكو.
وعلينا هنا، ألا نتناسى أن حفتر كان يتلقّى دعماً عسكرياً ومادياً من دول عدة، بدءاً من الإمارات، وصولاً إلى فرنسا، ويفرض سيطرته حالياً على الجزء الأكبر من إقليم برقة في الشرق. كما يسيطر، منذ شهر أيلول لعام 2016، على معظم المنشآت النفطية الليبية. وهنا يبدو أن موقف موسكو قد بني على أساس «الشرعية» التي يمثلها حفتر، كونه يصطف إلى جانب البرلمان في طبرق، الذي يبقى «الهيئة التشريعية الشرعية» الوحيدة في ليبيا، ويمتلكان معاً مجموعة من المؤسسات، منها البنك المركزي في الشرق، وهو ما يعني أن روسيا تريد أن تعتمد على من يستطيع تأمين استعادة مؤسسات الدولة وإن كان ذلك في الحدود الدنيا التي تسمح بعدم تقسيم ليبيا.
موسكو لا تتعسكر
مع أحد الأطراف
وجد حفتر وحلفاؤه، أنه لا بد من إقامة شراكة مع روسيا، من أجل الحد من أزمة السيولة المتفاقمة، وإظهار كفاءاتهم في حكم برقة. وقد تعرّضت روسيا للانتقادات من الدول الغربية، غير أن هذه الأخيرة رضخت للأمر، لا سيما بعد المحاربة الجدية للإرهاب. وقد توطّدت العلاقة خلال شهرَي حزيران وتموز، مع توجّه حفتر أولاً ثم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، إلى موسكو لأول مرة للقاء مسؤولين رفيعي المستوى. لقد أراد حفتر إبرام صفقة سلاح مع الكرملين للحصول على أسلحة برية وجوية أكثر تطوراً من تلك التي ترسلها إليه حالياً مصر والإمارات.
وفي ذلك الوقت، كان السفير الروسي لدى ليبيا، إيفان مولوتوف، يصرّ على أنه لا يجوز تسليم أية أسلحة إلى ليبيا قبل قيام مجلس الأمن الدولي أولاً برفع حظر الأسلحة. بيد أن الموقف الروسي أصبح أكثر ليونة مع حفاظ معسكر حفتر على روابط مع الكرملين عن طريق البدري الذي توجّه، في أواخر أيلول الماضي، إلى موسكو لينقل إليها رسالة من حفتر يناشدها فيها «شنّ عملية عسكرية ضد المتشددين في ليبيا مشابهة للعملية العسكرية في سورية»، وقد صرّح بوغدانوف للصحافيين أنه «سيفكّر ملياً» في أي طلب تتقدّم به السلطات الليبية من أجل «مشاركة روسيا في العمليات ضد الإرهابيين». وفي أواخر تشرين الثاني، توجّه حفتر من جديد إلى موسكو لإقناع روسيا بالمساعدة على رفع حظر الأسلحة عن ليبيا.
الجبهة العالمية
لمكافحة الإرهاب.. مجدداً
يندرج الاهتمام الروسي المتزايد بليبيا، في إطار استراتيجية أوسع، تهدف روسيا من خلالها إلى استعادة دور جيوسياسي بارز في المنطقة، وإخراجها من براثن المخططات الغربية، من خلال إفشال هذه المخططات التي تريد لليبيا أن تتحول لقاعدة تصدير للمنظمات الإرهابية إلى جوارها. وفي هذا الإطار، يكشف تعزيز الروابط الثنائية والتدريبات العسكرية الروسية المصرية المشتركة أن روسيا مهتمة بمنح السلطات المصرية المساعدة التي تحتاج إليها، حيث تظل مصر الشريك الرئيسي في المعركة على الإرهاب في ليبيا.
تمدد الإرهاب شمال أفريقيا
يشكّل الدعم الروسي لليبيا استمرارية للاستراتيجية القائمة على دعم أطراف تسعى لمكافحة الظواهر الإرهابية الآخذة بالتمدد بشكل خطير في شرق المتوسط وشمال أفريقيا، وتحتاج هذه الأطراف إلى المساعدة الكبيرة من الجانب الروسي الذي يقف اليوم في مقدمة الدول التي تخوض حرب كسر الهيمنة الأمريكية المفروضة على العالم.
قد تؤدي الجهود الحالية المبذولة إلى حل النزاع الليبي، إذ ستعيد السلطة في البلاد إلى شكلها المركزي، كما ستسهم في إعادة إعمار ليبيا، وخروجها من الأزمات المالية، وستمنع تدخلات غربية قد تزيد الأمور سوءاً، مثل تدخل «حلف الناتو» في العام 2011، والذي كان سبباً لمفاقمة الأزمة الليبية بأكثر أشكالها كارثية على البشر والحجر هناك.
وغالب الظن، أن روسيا سوف لن تلجأ إلى تدخل مباشر وواسع النطاق في ليبيا، لأنه فعلياً ليس هناك حاجة جيوسياسية واستراتيجية ملحة لذلك. بيد أن روسيا تعمد، في إطار مكافحة الإرهاب، إلى زيادة دعمها شيئاً فشيئاً لفكرة تشكيل جبهة عالمية واسعة لمكافحة التنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد الجنس البشري في العالم كله.
إذا مارست روسيا ضغوطاً في نطاق هيئة الأمم المتحدة لرفع حظر الأسلحة، فستتمكّن القوات الليبية من توسيع حربها ضد التنظيمات الإرهابية، وهو ما بدأته الدبلوماسية الروسية اليوم بشكل ملموس. هل نأمل باستعادة الليبيين السيطرة على المؤسسات النفطية والمالية، التي صدرت قرارات أممية بدعم من الغرب، لجعلها مرهونة لهذا الفصيل الليبي أو ذاك؟ حتى الآن، يبقى موقف روسيا بشأن ليبيا محاطاً بالإطار الرسمي الدبلوماسي الروسي المعروف، فقد وافقت روسيا على جميع قرارات الأمم المتحدة جميعها، الداعِمة للعملية السياسية في ليبيا، ولا تزال، تدعم الاتفاق السياسي الليبي، وقد شدّدت منذ فترة وجيزة، خلال زيارة حفتر إلى موسكو في أواخر تشرين الثاني الماضي، على أنها تحافظ على روابط وعلاقات مع الأفرقاء الليبيين جميعهم، لكن من الواضح أيضاً أنها ليست واقفة مكتوفة الأيدي جراء تمدد التنظيمات الإرهابية.
*نيفاي لوكوشياغوف: أستاذ محاضر في مركز دراسات البحوث السياسية في موسكو
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 789