آفاق الصراع مابعد الاتفاقية
واقع الاحتلال ومجريات الأمور في العراق، يفرض علينا تقسيم مرحلة الصراع مع الاحتلال وأعوانه إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تمتد من الاحتلال عام 2003 إلى توقيع الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية، والمرحلة الثانية تمتد من دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في تشرين الثاني 2009 إلى وقت قد يطول، أو يقصر حسب قوة المقاومة العراقية وتناميها، والظروف الدولية السائدة.
في المرحلة الأولى كانت عناصر الصراع واضحة مكشوفة، تتمثل بالمقاومة العراقية من جهة، والاحتلال وأعوانه من جهة أخرى، تميز الصراع فيها بعدم التكافؤ بين قوة عسكرية منظمة، تمتلك آلة حربية متطورة، وبين مجموعات تمتلك أدوات قتال بدائية، تفتقر إلى التنظيم والتنسيق فيما بينها، ورغم ذلك استطاعت المقاومة أن تلحق بالاحتلال خسائر لم يكن يتوقعها، وهو مادفع بوش الذي أعلن انتهاء العمليات العسكرية بعد أيام من احتلال بغداد، إلى التصريح بأن الحرب في العراق أطول مما كان يتوقع، وتكاليفها أكثر مما تصور.
في المرحلة الثانية التي ستبدأ مع تطبيق الاتفاقية تغيرت خريطة الصراع، وتعددت أطرافه، فلقد فرضت الاتفاقية واقعاً جديداً على طبيعة الصراع، فقوات الاحتلال أصبحت في منظور الاتفاقية قوات صديقة، وبدل انتشارها في عموم الأرض العراقية، فإنها ستكون موجودة في قواعد معينة، وبدل تحملها العبء الأساسي في العمليات العسكرية، ستكون قوة إسناد للقوات الحكومية، تتدخل بناء على طلب منها، وبالتالي فإن القوات الحكومية، جيشاً وشرطة، ستكون هي الخصم الأول للمقاومة العراقية، إضافة إلى قوات الاحتلال، وهو أمر كانت المقاومة تتجنبه قدر المستطاع لاعتبارها قوات الاحتلال الخصم الأساسي، رغم وجود عمليات تستهدف قوات الشرطة والجيش، تبرأت المقاومة منها وأثبتت الوقائع أنها من تدبير أجهزة المخابرات التي تعمل مع قوات الاحتلال.
الواقع الجديد الذي أفرزته الاتفاقية، هو اعتبار كافة القوى الوطنية العراقية حتى من لم يمارس منها العمل الميداني المقاوم طرفاً في الصراع، فحين تنص الاتفاقية أن من أهدافها مكافحة الإرهاب، والخارجين على القانون، وبقايا النظام السابق، فإنها في غياب تعريف دقيق للإرهاب، وعمومية مصطلح فلول النظام السابق، إضافة إلى عدم تحديد من هم الخارجون على القانون بنظر الحكومة العراقية الحالية، فإنها تدخل كل من لم يشترك في العملية السياسية طرفاً في الصراع يمكن استهدافه. وهو مايضع بالمقابل قوات الجيش والشرطة العراقية في موقع الخصم لكل هؤلاء وبالتالي تحول الصراع من صراع عراقي مع المحتل إلى صراع عراقي- عراقي تحت حماية المحتل الأمريكي. وهنا لابد من وجود آلية للمقاومة العراقية للتعامل مع هذا الظرف الجديد الذي خلقته الاتفاقية لكي لايستغل هذا الأمر من الحكومة العراقية لإسباغ صفة الإرهاب على أفعال المقاومة العراقية، وهو أمر حاولت تعميمه وثقفت أتباعها عليه منذ انطلاق أول عملية للمقاومة العراقية.
لقد اختلفت الآراء حول التعامل مع هذه القضية فالبعض يرى أن توقيع الاتفاقية تعتبر كارثة للمقاومة العراقية إذ حرمتها من تصيد قوات الاحتلال واستعمال العبوات الناسفة التي سببت الخسائر الكبيرة في صفوف الاحتلال وآلياته، وأن انحسار الوجود الأمريكي في قواعد خاصة بهم سيقلل من فرص المقاومة في تكبيد العدو المزيد من الخسائر وليس أمامه سوى استهداف هذه القواعد بالصواريخ من بعد وهو أمر ستعاني منه المقاومة سواء على صعيد توفير السلاح القادر على الإصابة والتأثير من بعد أو على صعيد اتخاذ القوات الأمريكية إجراءات أمنية حول هذه القواعد تجعل هذا السلاح غير فعال، فيما يقول البعض الآخر إن وجود الاحتلال داخل القواعد لايعني أن الاحتلال انتهى بل مازالت إفرازاته جاثمة على صدر العراقيين، فالعملية السياسية هي من إفرازات الاحتلال والدستور الذي يمهد لفيدراليات ستنتهي إلى تقسيم العراق هو إفراز آخر إضافة إلى تقاسم السلطة على أساس طائفي بشكل لم يعرفه العراق من قبل. وهذا يعني أن المقاومة سوف تستهدف في المرحلة القادمة قواعد الاحتلال ومن يحمي انجازاته في عموم العراق، وهو ما يعني صداماً مباشراً مع قوات الحكومة العراقية.
إنها خيارات صعبة إذ أنها في الرأي الأول لن تكون المقاومة قادرة على تكبيد الاحتلال خسائر يمكن أن تدفعه إلى تعجيل انسحابه من العراق وفي الرأي الثاني فان الصدام مع قوات الحكومة سوف يساهم في إسباغ صفة الإرهاب على عمل المقاومة، خاصة أن الاحتلال وحكومته قد مهدا لهذه الأرضية عبر الإعلام منذ بداية الاحتلال من خلال العمليات التي نفذتها الفرق الخاصة للاحتلال ومخابراته والتي استهدفت المدنيين وقوات الشرطة والجيش.
إن أمراً كهذا يحتم على فصائل المقاومة التنسيق فيما بينها بشكل أفضل من السابق وتبني مشروع واضح للمقاومة تحدد فيه أهدافها وكيفية التعامل مع قوات الحكومة التي ستدافع عن مخلفات الاحتلال ومكاسبه، وهو أمر تكتنفه كثير من الصعوبات ولكن لابد من معالجته حفاظاً على مكاسب المقاومة وسمعتها.
«شبكة لطيف»
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 385