حول «الحيرة الأمريكية» في اليمن
جرى آخر وقف لإطلاق النار في اليمن في 19/تشرين الثاني الماضي لمدة يومين، كتمهيد لاتفاق رعته الأمم المتحدة، مبنيّ على ما سمي بـ«مبادرة كيري»، وهي المبادرة التي لا تخرج في خطوطها العامة عن قرار مجلس الأمن «2216».
بعد انقضاء الهدنة، عجّلت السعودية تكثيف الغارات الجوية لـ«تحالفها العربي» بوتيرة يعتريها الكثير من التخبط، وهي مستمرة حتى الآن بدعم القوات التابعة لحكومة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، لفتح جبهات جديدة، وهو ما يجعل التحركات الأمريكية، تظهر في سياق يبدو أنه منفصل عما تقوم به باقي الأطراف المعنية بالنزاع في اليمن.
مواربة أمريكية
ليست السعودية هنا المسؤول الوحيد عن إفشال محاولات حل الأزمة اليمنية في هذه المرحلة، فقد كُشفت تحركات واشنطن صاحبة المبادرة ذاتها، في إطار محاولات الإفشال نفسها، عبر تحركات كيري في سياق الملف اليمني.
بعد طرح كيري لـ«خارطة الطريق»، وما تبعها من صياغة تفصيلية من قبل المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ، والتي تضمنت نقل صلاحيات الرئيس الحالي، إلى رئيس توافقي يدير المرحلة الانتقالية، ذكرت وكالة الأنباء اليمنية، أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي نقل اعتذاراً عما حصل، وقال: «لا يمكن للسلام أن يتحقق إلا بمشاركة قيادة اليمن الشرعية، باعتبارها أساس السلام، وداعية دائمة له خلال محطات السلام والمفاوضات»، مضيفاً: «إن خارطة الطريق هذه لا تعد اتفاقية، بل مرشداً ودليلاً أولياً لبدء واستئناف المفاوضات، التي يمكن الطرح فيها ومن خلالها، ما يمكن لإنجاح فرص السلام، دون تدخل أو ضغوط من أحد باعتبار الحل في النهاية يصنعه اليمنيون بأنفسهم».
هنا، تبدو المسألة مواربة أمريكية مقصودة في إلقاء التصريحات المتناقضة، لطرفي النزاع اليمني. لكن أكثر ما استفادت منه واشنطن في الفترة ما بين تحركاتها الحثيثة قبل شهرين وحتى اليوم، هو ظهورها كراعي اتفاق سلام مهتم بحل النزاع في اليمن، والسبب يعود هنا إلى تظهير فعالية الرباعية «الولايات المتحدة، بريطانيا، الإمارات، والسعودية»، في بحثها عن حل لهذا النزاع الذي ذهب ضحيته زهاء 10 آلاف يمني.
يبدو هذا السلوك الأمريكي أساساً في الأشهر الأخيرة، بأحد أهدافه، تأخيراً لما قد يأتي لاحقاً من إعادة الملف اليمني إلى مجلس الأمن، وتوسيع قاعدة المشاركين في إيجاد حل لهذه الأزمة بإحداثيات جديدة. والحديث هنا عن روسيا التي بلقاءاتها مع طرفي الصراع اليمني على حد سواء، تبدي استعدادات لتقريب وجهات النظر والمساعدة في حل الأزمة، وهو ما لا ترغب واشنطن فيه.
مكاسب اليوم
غير ممكنة غداً
عملياً، فإن مستوى التراجع الأمريكي في ملفات كسورية والعراق، بمعنى النتائج، قد يدفع الملف الذي يعد «ثانوياً» اليوم في التعاطي الدولي مقارنة بملف سورية والعراق، إلى الواجهة، ومن هنا، تبدو المحاولات الأمريكية حثيثة للظهور بصورة المنقذ في الملف اليمني، رغم استمرار العنف ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، دون إحداث أي خرق سياسي حقيقي يعيد الوزن للحل السياسي، على حساب الصراع الميداني المحتدم هناك.
والقول هنا، بأن هذه المواربة هي أحد أهداف الإدارة الأمريكية، يعني أن موافقة بريطانيا والسعودية والإمارات على هذه التحركات، لم تأت تجاوباً مع الرغبات الأمريكية فحسب، بل إنها سلوك يخدم سياقات أخرى تسعى وراءها هذه الدول. فمثلاً: السعودية بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، تفضل انتظار أفعال تفيدها، متأملة في «عدائه لإيران»، التي تحملّها السعودية مسؤولية «دعم المتمردين»، بحسب وصفها.
لكن عموماً، بالنظر إلى هذا النوع من السلوك، الذي تبديه أطراف العدوان على اليمن، كملف عالق على المستوى الإقليمي لا أكثر، ولم يصل إلى مرحلة التدويل الكلي المطلق، يدلل على ضيق خيارات المعسكر الأمريكي في حيازة مكاسب قد لا يحصل عليها فيما لو اندفعت قوى دولية أخرى لإنهائه فيما بعد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788