بوليس يقمع المتظاهرين.. ورئيس يستقيل

 بينما كان قادة الاتحاد الأوربي منهمكين داخل أروقة قصر لايكن الملكي الدافئ في بروكسل في التقاط صور العائلة وانتخاب رئيس لأوربا وتبني إصلاحات دستورية وفي التطرق إلى مشاكل أفغانستان وإقرار نشر قوة متعددة الجنسيات بقيادة بريطانية فيها إلى جانب الإعراب عن القلق إزاء مجريات الأوضاع في الشرق الأوسط، أي في فلسطين المحتلة، كان المتظاهرون، الذين استجمعوا برغم البرد القارس قوة حركتهم بعد الانكفاء النسبي الذي فرضته عليها أحداث أيلول وتهمها الجاهزة بالإرهاب، كانوا أكثر امتلاكاً لقوة التعبير الرافض للرأسمالية وسياساتها العولمية والعسكرية الحربية، وللانقلاب الكلي أوربياً إلى المعسكر الأمريكي وذلك في إطار دعوتهم إلى بلورة سياسة أوربية مستقلة عن ضغوط راعي البقر الأمريكي التي تقود العالم نحو هاويته…

 فقد دعت رايات مئات الآلاف من مناهضي العولمة والشعارات التي رددوها على وقع الموسيقى الاحتجاجية وصافراتها إلى تحطيم الرأسمالية وإلى إعادة السلم للعالم وإنهاء اللامساواة فيه تماماً كما طالبت بتحرير فلسطين وإيقاف المجازر الإسرائيلية ضد شعبها.
 أما المقنعون المنتمون إلى صفوف الفوضويين فيما بدا فقد ألقوا الحجارة بينما كانوا يهاجمون مصرفين في وسط المدينة بالقرب من مكان انعقاد القمة الذي حالت شرطة مكافحة الشغب المدججة بهراواتها وخراطيم مياهها الثقيلة من وصول المحتجين إليه قبل أن تجري حملة اعتقالات واسعة في صفوفهم وهم المنتمون إلى مختلف التيارات اليسارية والشيوعية وأنصار البيئة في العالم…
 وفي السياق ذاته، ولكن ضمن إطار أكثر محلية، أدت موجة المظاهرات الاحتجاجية العارمة التي اجتاحت الأرجنتين على سوء الأوضاع المعيشية والسياسات المالية للحكومة فيها إلى استقالة رئيس البلاد بعد وزير اقتصادها دون أن تجدي الرئيس حالة الطوارئ التي أعلنها لمدة شهر كامل على إثر أحداث العنف والسلب والنهب التي عمت البلاد ولاسيما في العاصمة بيونس آيريس…
 ويبدو جلياً أن استقالة الرئيس فرناندو دو لاروا وتعيين رئيس جديد لها في ظل خلافات بين الحزب الحاكم والمعارضة حول مدة توليه للرئاسة وموعد إجراء انتخابات دستورية جديدة، واستيقاظ الأرجنتينيين على حجم الخراب الذي حل بمدنهم، إلى جانب ما تم إعلانه مؤخراً عن إجراءات لحماية العملة الوطنية /البيزو/ من مزيد من التدهور، والتخوف من إعلان إضرابات عمالية شاملة لن توقف عجلة انحدار الأوضاع إلى هاوية جديدة لأن الأرجنتين مرتبطة مالياً بالولايات المتحدة ضمن مجموعتي ميركوسر وكيرنز الإقليميتين إلى جانب تورطها ببراثن شروط القروض «السخية» التي سبق أن تلقتها من صندوق النقد الدولي والتي كانت الفوائد المركبة لتراكمات مبالغ خدمة سدادها سبباً في تفجر الأزمة الحالية بعد وصولها إلى ذروة 132 مليار دولار لم تجدِ كل إجراءات التقشف والتسريح والخصخصة طوال 43 شهراً لتجميع أبسط مبلغ عملي منها لأنها توجهت إلى القطاعات الخدمية والاستثمارية دون الإنتاجية في الاقتصاد الأرجنتيني...
 وبذلك يتضح تماماً وبمثال جديد أن فاتورة المستحقات السياسية التي دفعتها الحكومة والرئاسة الأرجنتينية لا تعدو كونها جزءاً من مسلسل الفواتير الاجتماعية الناجمة عن الارتهان الاقتصادي للخارج…

معلومات إضافية

العدد رقم:
165