فتشوا عن أصابع أمريكا وإسرائيل!!

  تعرضت مدينتا كربلاء وبغداد في اليوم الثاني من آذار الجاري لمجزرة بشرية أثناء مشاركة مئات الألوف من المواطنين العراقيين بإحدى المناسبات الدينية التي يحتفل بها المؤمنون الشيعة.

وقد راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، بعد سلسلة هجمات شنها مجهولون على تجمعات المشاركين في الاحتفال، ولم تمض فترة وجيزة حتى تواردت الأنباء عن وقوع هجمات أخرى مماثلة في مدينة «كويتا» الباكستانية سقط ضحيتها 38 قتيلاً و 150 جريحاً، ماعدا المتاجر والمحلات التي أحرقتها النيران، كما وقعت أحداث أخرى في أفغانستان، حيث سقط أكثر من 16 شخصاً بين قتيل وجريح، وفي الهند تداركت الحكومة قيام أعمال عنف في ولايتي كوجارات وكشمير، واعتقلت الشرطة الهندية أكثر من ثلاثة آلاف ناشط تحسباً لأحداث محتملة.

إن هذه الأحداث الدامية، وخصوصاً في العراق، والتي لا علاقة لها بالمقاومة لا من قريب ولا من بعيد، قد جرت في وقت واحد أو متقارب، وتجاه أنصار مذهب إسلامي محدد، يشير بوضوح إلى أن الموجه و احد، وصاحب المصلحة واحد، وهو إثارة النعرات الطائفية والدينية، ليقتل الناس بعضهم بعضاً، عوضاً عن التكاتف والتضامن ضد العدو المشترك الإمبرياليين الأمريكان والبريطانيين.

من وراء الأحداث، ومن المستفيد؟

ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الأحداث الدامية، طرحت الجماهير الشعبية العراقية، وجميع القوى السياسية سؤالاً مشروعاً: من يقف وراء الأحداث الدامية هذه، ومن المستفيد منها؟

فالجماهير الشعبية سارعت إلى اتهام المحتلين الأمريكان بأنهم وراء الأحداث الدامية، أو غاضين النظر عنها، ورأى مشاهدو التلفزيون بأعينهم، كيف كان المواطنون يهاجمون الدبابات والمصفحات والسيارات الأمريكية ويرجمونها بالحجارة، تعبيراً عن غضبهم وقناعتهم بأن قوات الاحتلال تقف وراءها، وتحرض عليها، لأنها منذ احتلالها للعراق، وهي تضرب على وتر النعرات الدينية والطائفية والقومية، وشكلت المجلس الانتقالي المؤقت على أساس طائفي.

أما القوى السياسية الأخرى، أو الأصح أكثريتها فقد وجهت أصابع الاتهام إلى المخابرات المركزية الأمريكية والإسرائيلية المتغلغلة في العراق، وتحت الحماية الأمريكية، وهي تسرح وتمرح كما تشاء وتقوم بالمهام المنوطة بها.

سياسة فرق تسد الاستعمارية

إن الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا، تسعى بكل جهدها للقضاء على المقاومة العراقية المتصاعدة عمقاً وامتداداً، وهي تلجأ إلى مختلف السبل غير الأخلاقية والوحشية للقضاء عليها، دون جدوى، بدءاً من الهجوم المباشر على المواطنين وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، واغتيال الناس في الطرق، دون ذنب، وانتهاء باعتقال الآلاف من المواطنين اعتقالاً عشوائياً وزجهم في المعتقلات وقد وجد العراقيون أنفسهم بأنهم انتقلوا من «تحت الدلف إلى تحت المزراب» وإن وجدوا أن هذه الأساليب لم تجد لجؤوا إلى وسائل أكثر خبثاً ودهاء، وهي تحريض الناس على بعضهم باسم الخلافات المذهبية والطائفية والقومية ليقتل الناس بعضهم، كما جرى في يوغسلافيا الممزقة المهدمة قبلاً، وكما يجري في العراق حالياً، كل ذلك لإدامة أمد الاحتلال بهدف تحقيق الهدف الرئيسي الذي جرى احتلال العراق من أجله وهو وضع اليد على منابع النفط ونهبها لصالح الاحتكارات البترولية الأمريكية.

أخطاء بعض القيادات الإسلامية

ولاشك أن بعض القيادات الإسلامية قد وقعت في أخطاء سياسية استفاد منها العدو المحتل. ففي بداية الأمر وبعد الاحتلال مباشرة رفعت هذه القيادات شعارات صحيحة ووطنية غايتها الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة قوى الاحتلال فكانوا يقولون: لا للسنة، ولا للشيعة، لا للأكراد، بل العراق للعراقيين، وهذا الشعار يلف الجماهير الشعبية العراقية والقوى السياسية جميعاً، باستثناء العملاء، للوقوف ضد الاحتلال والنضال لطرده من البلاد. وفجأة بدأت هذه الشعارات تتراجع إلى الخلف ليحل محلها شعار آخر هو الدعوة لقيام جمهورية إسلامية لمذهب معين، وعوضاً عن تأجيج النضال ضد قوات الاحتلال، طرحوا شعار: إخراج الأمريكان بالوسائل السياسية أي أحدثوا شرخاً في صفوف الشعب العراقي وقواه الوطنية وأخرجوا جمهوراً واسعاً من مجرى النضال العام ضد الاحتلال، ثم طرحوا في مجلس الحكم المحلي مسألة إلغاء قانون الأحوال الشخصية الموضوع عام 1959 والذي يعطي نصف المجتمع حقوقاً واسعة، والتصديق على القرار 137 الذي ينتزع هذه الحقوق من النساء، ويضع قضايا الأحوال الشخصية بيد المؤسسات الدينية، وهذه تعد رجعة كبيرة إلى الوراء، وليصبح الوضع شبيهاً بما هو حاصل في لبنان، ووقفوا صراحة أمام مشاركة المرأة في المجتمع وإدارة شؤون الدولة وعندما لم يستطيعوا منع ذلك سعوا إلى تقليص هذا الدور إلى أقل درجة.

ورفضوا أن يكون العراق دولة علمانية، في بلد متعدد الأديان والمذاهب والقوميات، وفصل الدين عن الدولة، ومعاملة جميع المواطنين على قدم المساواة، وأصروا على أن يكون الإسلام المصدر الأساسي للتشريع، لا أحد مصادره.

إن كل هذه المواقف أوجدت استياء تجاههم وسهلت مهمة أعداء الوطن ـ بدون قصد ـ تحقيق مآربهم.

طرد الاحتلال أو الدستور والانتخابات

إن الأحداث الدموية التي جرت في كل من كربلاء وبغداد أكدت بأن الأولوية يجب أن تكون موجهة نحو إخراج قوات الاحتلال التي يعلن قادتها أنهم جاؤوا ليبقوا في العراق لا ليخرجوا منه، وإن الاستعجال في نقل السلطة شكلاً لا فعلاً للمجلس الانتقالي والتصديق على الدستور المؤقت وفي غياب الأمن غياباً كاملاً لن يوصل بلاد الرافدين إلى شاطئ الأمان، والعيش الكريم للشعب، وفي ظل الحرية والديمقراطية، إلا بعد إخراج قوات الاحتلال من البلاد، وبعيداً عن هيمنة الاحتكارات الأجنبية التي تدعي أنها تود إعادة بناء العراق لا نهبه ولا سلبه.

إزالة الاحتلال أولاً

لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أن المهمة الأساسية المنتصبة أمام الشعب العراقي وقواه الوطنية والقومية والإسلامية على مختلف مذاهبها، هي تصعيد المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني وتطهير أرضه من دنس القوات المحتلة، وبعد ذلك تصبح الأمور ممهدة لإجراء انتخابات ديمقراطية حرة، ودستور ديمقراطي جديد، يحفظ لجميع العراقيين حقوقهم بالتساوي، ويصون لهم كرامتهم وحريتهم وإنسانيتهم، في ظل مجتمع يؤمن الحياة اللائقة الكريمة لكل إنسان، وبدون ذلك لن يجد العراق الهدوء والأمان، ولن يمحض الشعب ثقته وتأييده إلا لكل من يناضل من أجله، ويضحي بكل غال ونفيس للإعلاء من شأنه.   

● لمزيد من المعلومات راجع مقال «قاسيون» العدد (211)، تحت عنوان: «هل بـــدأت حـــرب الكثافة المنخفضة لقمع المقاومة العراقية؟» ■■         

 ■ عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.