ما الهدف من تفجيرات العراق؟

ما تكاد أخبار التفجيرات الإجرامية أن تغيب عن شاشات التلفزة العالمية حتى تعود مرة أخرى، بزخم نوعي وكمي جديد، لتكشف عن مستوى متطور من التدريب، والامكانات، والتكتيك والدقة وخلال الايام القليلة الماضية شهدت14 مدينة عراقية تفجيرات إرهابية حصدت أرواح ما يقارب 60 عراقياً و250 من الجرحى، هذا وتختلف التأويلات والتفسيرات في قراءة هذه الجرائم التي تبدو للوهلة الأولى أن لاأحد يستفيد منها، لاسيما وأن الادانات تأتي من كل حدب وصوب ومن كل جهات الأرض، وكأن الأشباح هي التي تخطط وتنفذ، ولايغيّر في ذلك تلك البيانات التي تصدر عما يسمى من تنظيم القاعدة، بتبني هذه التفجيرات، ليضع بين يدي المتابع للحدث سؤالاً جديداً وهو ما هدف تنظيم القاعدة من هذه التفجيرات، وما الذي تكتسبه من ذلك؟

وكما نعتقد فإن قضية سياسية بامتياز ومن هذا النوع، أعقد من أن يتم التعاطي معها من الجانب الجنائي فقط، أي الاقتصار على السؤال عن من نفّذ، وينفذ؟
في الحقل السياسي ثمة سؤال دائم يجب طرحه، أمام أية ظاهرة، وخصوصاً أمام هذا المستوى من السادية، وأمام هذا الدرك والانحطاط الاخلاقي والوجداني، وهو من المستفيد منها، وهو جوهر الموضوع الذي تظل وسائل الاعلام تتجاهله، لتدخل في إطار فرض التفكير النمطي الذي عممته، وما زالت تفعل ذلك عبر تقنيّات ذكية قادرة على تجييش المشاعر والأحاسيس والرغبات، ليغيب العقل والتحليل والمنطق، ويعمل فقط مبدأ الفعل وردّ الفعل، في تحديد الموقف وتكوين الرأي العام.
لاشك أن المستفيد هو من لايريد عودة الاستقرار إلى العراق، والمستفيد هو يريد تعميم ثقافة التعايش الإجباري مع الموت، وتكوين تلك البنية النفسية التي تتقبل الموت، والمستفيد هو من يريد إشعال الفتنة الطائفية - دائماً يرافق كل تفجير من هذا النوع زعيق طائفي مقيت - وتالياً المستفيد هو من يريد تدمير ما تبقى من بنية الدولة العراقية...
إن مشروع «الفوضى الخلاقة» الذي تفتق عنه قبل سنوات العقل البرجوازي الغربي  في عصر الرأسمال المعولم، من الطبيعي ان يبحث له عن أدوات لتسويقه، والتفجيرات الإرهابية هي كما هو ملاحظ إحدى أدوات هذا التسويق، بما تتركه من أثر على صعيد الوحدة الوطنية في كل بلد من بلدان المنطقة، فهي اداة نسف بنية الدولة، لإحياء البنى التقليدية، وهي بالتالي أداة تفتيت وإقامة دول على أساس هذه البنى طائفية دينية وقبلية إذا تطلب الأمر.
لاسيما وأن هذه التفجيرات تنتقل من مكان إلى آخر فاستخدمت لتفعيل الفالق السني الشيعي، واستخدمت لتفعيل الفالق المسيحي الإسلامي، واستخدمت لتفعيل الفالق الكردي العربي أي  إحياء كل الثنائيات الوهمية بأحد أكثر أشكالها تعصباً وانحطاطاً.
إن المسؤول والمتهم الوحيد من هذه التفجيرات التي تتجول في أرض الرافدين، وانتقلت إلى بلدان الجوار العراقي، ومنها سورية هم  أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة، بغض النظر عمن ينفذ.