الجنرال ريكاردو سانشيز يتساءل: لماذا ينتحر الجنود الأمريكيون في العراق؟

الأربعاء 26 تشرين الثاني 2003.

منذ شهر نيسان، انتحر 17 جندياً أمريكياً في العراق على الأقل، هذا ما أعلنه الجيش الأمريكي، غير إنّ الرقم هو على الأرجح أكبر من ذلك في الحقيقة. وقد تمّ فتح تحقيق يتعلّق بنحو 30 حالة وفاة خارج المعارك، يمكن أن يكون بعضها ناتجاً عن انتحار، وفق دراسةٍ قامت بها وكالة أسوشييتد برس للأنباء.

بالنسبة للجيش الأمريكي، ليس هناك رسمياً ما يثير القلق. لكن الجنرال ريكاردو سانشيز، قائد القوات الأمريكية في العراق، مشغول البال بما يكفي كي يطلب من البنتاغون أن يرسل إلى العراق فريقاً لتقييم الصحة العقلية، وذلك للتحذير بصورةٍ أفضل من احتمالات الانتحار. 

عاد الفريق إلى الولايات المتحدة منذ خمسة عشر يوماً ومن المتوقع أن يصوغ توصياتٍ خلال بضعة أسابيع، هذا ما أكدته مارتا رود، الناطقة الرسمية باسم الجيش. وفق حسابات الجيش الأمريكي، فإنّ معدّل الانتحار بين صفوف الجنود الأمريكيين في العراق هو حوالي 12 لكلّ 100.000، أي أقل من معدّل انتحار الرجال بين المدنيين في الولايات المتحدة (17.5 لكل 100.000). لكن هذه المقارنة خادعة. 

فالمعدّل بالنسبة للمدنيين يقام بحيث يدرس الحالات على مدى عام، في حين أنّ المعدّل نفسه بالنسبة للجنود في العراق لا يتناول سوى سبعة أشهر. علاوةً على ذلك، فالفرق العسكرية لم تصل بعد إلى أعياد نهاية العام، وهي فترة يعتبر خطر الانتحار أثناءها الأعلى عموماً.

هناك عوامل أخرى ينبغي أخذها بالاعتبار: فالقوات الأمريكية في العراق تضمّ عدة آلاف من النساء، تمثّل عادةً معدّل انتحارٍ أدنى، وهناك عددٌ من حالات الوفاة التي حصلت خارج القتال لم يجر تفسيرها بعد، ويمكن أن تخفي في الواقع حالات انتحار. 

معظم حالات الانتحار حصلت بعد إعلان الرئيس جورج دبليو بوش نهاية العمليات الكبرى في العراق في الأول من أيار. وفق تحليلٍ لتقارير عسكرية قامت به وكالة أسوشييتد برس، فإنّ قائمة الموتى خارج المعارك تشمل 13 وفاة بعياراتٍ نارية، وحالتين غرقاً، و13 حالة أخرى لم يجر تفسير أسبابها بعد. وتشير مارتا رود إلى أنّ العائلات يمكن أن تتشكّل لديها شكوك حين يخبرها الجيش بأنّ أحد الأقارب قد انتحر. ولتجنّب هذه التساؤلات، تخضع حالات الوفاة خارج المعارك إلى تحقيقاتٍ معمّقة قد تدوم أشهراً، كما قالت. وأضافت: «ينبغي أن نكون متأكدين» من أجل العائلات. 

وتقدّر ميشيل كيلي، وهي محللة نفسية تدرس حالات الشدّة النفسية في صفوف القوات البحرية الأمريكية، بأنّه ينبغي على الجيش إعارة انتباهٍ خاص لعلامات الشدّة النفسية والاكتئاب بين الجنود في الأسابيع القادمة. ويمكن أن تكون أعياد نهاية السنة فترةً عصيبة سواء بالنسبة للمدنيين أم بالنسبة للعسكريين، وفق قولها. ينبغي ألاّ ننسى بأنّ الجندي لديه على الدوام سلاحٌ بمتناول يده...

 

وقالت السيدة كيلي: ينبغي تحفيز الجنود الأمريكيين على طلب مساعدةٍ نفسية إذا شعروا بالحاجة إلى ذلك، في تلميحٍ لحالةٍ قريبة. إذ إنّ الجندي جورج أندرياس بوغاني بدأ بالإقياء بعد أن رأى جسد مدنيّ عراقي جرى التمثيل به بعد ثلاثة أيام من وصوله إلى العراق. أعلن الجندي بأنّه يعاني من أزمة توتر شديدة، وطلب مساندةً نفسية. وفي نهاية الأمر، أعيد إلى الولايات المتحدة، حيث أصبح أول جندي منذ حرب فيتنام يتّهم بالجبن، وقد جرى تخفيف الاتهام في النهاية إلى تهمة الإخلال بالواجب. وقد أشارت السيدة كيلي إلى أنّ هذا المثال هو مثالٌ نموذجي لما ينبغي تجنبه إذا أردنا أن يطلب الجنود الأمريكيون المساعدة. أما ديفيد شيفر، المحلل النفسي في جامعة كولومبيا والمستشار الأسبق في وزارة الدفاع، فحذّر من استنباط الاستنتاجات من عدد حالات الانتحار في العراق. إذ يشرح بأنّ معدلات الانتحار تتباين كثيراً مع الزمن ووفق الأصل العرقي والديني وعوامل أخرى. ووفق رأيه، فإنّ المقارنة مع حروبٍ أخرى غير صحيحة، إذ إنّ «المجموعة» المدروسة مختلفة. لكنّه يشير إلى وجود براهين على أنّ أولئك الذين يخدمون لفتراتٍ طويلة في الجيش لديهم معدّل انتحار أعلى منه لدى المدنيين.