فريد الغادري يعلن من واشنطن تأسيس حزبه ويتساءل: «لماذا نناصب جيراننا العداء»!!
«مصلحون» جدد.. نبتوا في أقبية الاستخبارات الأمريكية ـ الاسرائيلية.. وتقاسموا الأدوار:
بين الدعوة للالتحاق بقوى السوق والسوء لإيجاد موطئ قدم في حذاء العولمة..
وبين تسليم مقاليد الوطن لأعدائه
في ظل الظروف العالمية والإقليمية الحالية، والتي تتميز باختلال ميزان القوى لصالح القطب المعادي للشعوب ومصالحها، تطفو على السطح العديد من الأصوات والقوى الداعية الى الانبطاح أمام الهيمنة الأمريكية، بل أكثر من ذلك إنها تدعو بوقاحة تتجاوز حدود الخيانة الوطنية، للإرتماء في أحضان أعداء الشعوب وتفصيل الأوطان على مقاس الحلم الامبريالي الأمريكي ـ الصهيوني..
وتتقاسم تلك الأصوات أدوارها بين الدعوة للالتحاق بقوى السوق والسوء لإيجاد موطئ قدم في حذاء العولمة.. وبين تسليم مقاليد الوطن لأعدائه عبر دعاة «مصلحين» نبتوا في أقبية الاستخبارات الأمريكية ـ الاسرائيلية، بعدما تنكروا لأوطانهم وعاشوا على فتات موائد أسيادهم خلف البحار…
وتتزين كلا الدعوتين ببراقع كثيرة من المصطلحات «الانسانية» والعبارات «الديمقراطية» الزائفة، علها تخفي وجهها القبيح…
وجه آخر لنفس العملة
في العدد السابق من «قاسيون»، كانت لنا إطلالة على برنامج قوى السوق . وفي هذا العدد نطل على وجه آخر لنفس العملة، ولكن تحت اسم «حزب الإصلاح السوري»، لصاحبه المتأمرك فريد الغادري.. الذي أطلق من واشنطن «نداءً للتحالف» وجهه إلى «رؤساء كافة أطراف المعارضة السورية في الوطن وفي الخارج» تحت عنوان: «سورية لكل السوريين»!!.. ومن أجل: «قيام سورية الجديدة حرة وديمقراطية»!!..
■ (ومسبقاً نعتذر من القراء الكرام لاستخدام بعض التعابير المباشرة، التي قد توحي بالقدح والذم.. إلاّ أن طبيعة البرنامج المطروح لم يسعف المفردات اللغوية بأفضل من ذلك)!!..
أمركة بالزور!!
وفي نداء الغادري كان فخوراً بالدور المرسوم الذي تنطح للعبه، حيث قال:
«لاينكر أحد أن الولايات المتحدة كقوة عظمى لها مصالح في الشرق الأوسط، سواء أردنا أم لم نرد ولابد من ضبط قواعد مراعاتها، إن حزبنا قادر ومستعد للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. إن تحالفنا بالتعاون مع الولايات المتحدة يجعل منا قوة ضاغطة لاعتقادنا بأنها البديل الفعال. أما من جانبي فسوف أبذل قصارى جهدي لضمان عودة كافة أحزاب المعارضة إلى سورية دون فرض قيود أو شروط أيديولوجية أو عقائدية وغيرها»…
ويضيف: «رغم عظمة مأساة أحداث 11 أيلول فهي فرصة ثمينة، قد تتلاشى، إن لم نستغلها على أكمل وجه ونستنبط منها العبر، بوسعنا إجبار النظام على قبول التغيير، نحن نستطيع التعايش معاً كأطراف مستقلة تمثل مصالح كافة الفئات في برلمان حر وديمقراطي. علينا اغتنام المناسبة للقيام بخطوة على الطريق قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني 2004. أقترح عقد مؤتمر موسع مابين 15 ـ 16 تشرين الثاني القادم في الولايات المتحدة يشارك فيه قادة المعارضة لمناقشة إمكانية قيام مثل هذا التحالف»…
«قوة ضاغطة».. على من؟!
وتحت شعار الوطن، يقر الغادري بأنه سيشكل «قوة ضاغطة» بيد الولايات المتحدة الأمريكية، ليس ضد أمريكا واسرائيل بطبيعة الحال.. بل ضد الوطن!!.. وتأكيداً للأصالة الوطنية يضع الغادري على رأس صفحة النداء خريطة سورية الملونة بالعلم الوطني، ولكنها خريطة على الطريقة الأمريكية التي تقتطع من الوطن اللواء الحبيب لواء اسكندرون…
وقد أنشأ الغادري حزبه في مقاطعة كولومبيا ـ واشنطن ـ الولايات المتحدة الأمريكية،على إثر أحداث أيلول 2001، وجاء في مقدمة أسباب تأسيسه لحزبه:
«يتمتع حزب الاصلاح السوري بالدعم الضمني من قبل العديد من المنظمات ورجالات في الإدارة الأمريكية وهيئات المختصين في واشنطن، وتربط قيادة حزب الاصلاح ورئيسه فريد الغادري خصوصاً علاقات وثيقة بالكونغرس الأمريكي ويحظى بدعم معنوي ناهيك عن وسائل الاعلام الأمريكية التي أشادت بفكر الحزب الديمقراطي وسمعة قيادته»!!.
الغادري يعلن...
ولم تشر وثائق الحزب الى سبب هذا الدعم والثقة الكبيرتين من الادارة الأمريكية للغادري وحزبه، إذ أنه عضو في منظمة (AIPAC) «لجنة الشؤون العامة الأمريكية ـ الاسرائيلية».. * (أنظر المادة المرفقة في أسفل الصفحة).. ويحاول جاهداً إنكار ذلك في لقاءاته الصحفية..
وخلال أكثر من زيارة للغادري للكيان الصهيوني، عبر بصراحة لايحسد عليها بأنه «مأخوذ بديمقراطية اسرائيل ومجتمعها التعددي الحيوي» ويضيف: «لماذا نناصب جيراننا العداء»!!.. ويدعو للترويج لثقافة جديدة ترفض مقاومة الاستعمار.. واعتبار كل عمل يوجه لمقاومة الاحتلال إرهاباً.. ويدين العمليات الاستشهادية ضد العدو الصهيوني…
وجاء في الوثيقة التأسيسية لحزبه المطالبة بـ «عقد الصلح مع كل الدول المجاورة من أجل ازدهار البلد»!!…
وضمن (أهداف «سورية الجديدة» العامة) لوثيقته البرنامجية، جاء حرفياً:
(الفقرة 2): «حظر كل التنظيمات والأحزاب التي تتضمن برامجها ودساتيرها مفهوم العنف في سورية الجديدة أو ممارسته على الناس أو بلدان الجوار وعدم مشاركتها بأي حلف أم تكتل يهدف لتحقيق برامجه عن طريق العنف، أو جماعة تفرض عقائدها أو أيديولوجيتها على الآخرين»!!.
(الفقرة 5): «حفظ السلام مع كل دول الجوار وأن يعقد اتفاقيات صلح وتعايش سلمي معها يؤدي للتنمية الاقتصادية ووحدة الأهداف الاقليمية»!!.
(الفقرة 6): «أن تُسَخَر قواتنا المسلحة لحماية البلد بدلاً من استخدامها لتهديد الجوار..»!!..
أوكازيون... «فئران الأنابيب»
وفي لقاء صحفي خلال جولة الغادري الآوربية للترويج لحزبه، قال:
«لن أمل من التكرار.. نحن ندرك أن السلام مع الدولة الإسرائيلية ليس ترفاً سياسياً أو طفرة في قوانين التطور الاجتماعي، بل هو ضرورة من أجل التعايش السلمي الاقليمي والتطور السوري العام، ناهيك عن دور السلم في رقي الحال المعيشي في سورية»!!!…
ومؤخراً أطلق الغادري موقعه الرسمي الالكتروني عبر شبكة الأنترنت، والذي جاء في صفحته الأولى على الشريط المتحرك النداء التالي:
«أيها المواطن السوري في المهجر والوطن السوري الحبيب.. كما تعلم ولدت تجربتنا الاشتراكية والشيوعية ميته، أما تجربتنا مع جماعة الاخوان فلن تختلف عن الطالبان في أفغانستان. بينما رهاننا البعثي الفاسد يبث الرعب والذعر والفقر ويصادر أبسط حقوق وحريات الإنسان السوري… ألم يحن الوقت لنجرب الديمقراطية؟؟.. نهيب بكم لدعم حزب الاصلاح، فهي فرصته للعيش بحرية ورخاء لكل سوري»!!.
بين (الجلبي) و (الغادري)
إذن.. هي فرصتنا للعيش بحرية ورخاء.. يقدمها لنا بكل تواضع من واشنطن السوري السابق وصاحب الجنسية الأمريكية، والقلب المتصهين.. صديق اسرائيل الحميم.. والأخ الروحي لـ «جلبي» العراق.. والذي قال عنه (إيلي . ج . ليك) مراسل اليو بي أي في وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 26/5/2003:
«يبدو الأمر كتزاوج صنع في فردوس التيار المحافظ الجديد للإدارة الأمريكية. بعد أقل من اسبوع من اتهام الولايات المتحدة الأمريكية سورية بالسماح «لإرهابيين» بالدخول إلى العراق، والسماح لأتباع صدام باللجوء إلى سورية، كشف فريد الغادري النقاب عن حزبه المعارض المسمى بحزب «الاصلاح السوري» مستغلاً ندوات استضافها معهد المؤسسة الأمريكية لمدة أسبوع. حيث أفصح السيد فريد عن جهوده لمعارضة النظام في سورية، في جلسة النقاش قبل الأخيرة التي كان موضوعها أصلاً العراق، والتي صادف توقيتها مع نشوب الحرب على العراق، بيّن الغادري حينها أنه ينوي الإعلان عن حكومة سورية في المنفى في الأشهر القليلة القادمة. وقد قام المذكور بتوجيه سؤال إلى صقور السياسة الأمريكية من الحاضرين للجلسة: (ماذا عن تغيير النظام في سورية)؟. توقيت السؤال كان جيداً.. فهل كان ممكناً أن يجد (أحمد جلبي) سورية وقتاً أفضل يعرض فيه خدماته على الولايات المتحدة؟.!
لسوء الحظ، فإن إيجاد (متحررين) سوريين مع قاعدة شعبية داعمة لهم في سورية، يجعل الجهود المماثلة في العراق تبدو سهلة... ولا يوجد للسوريين المتحررين أي امتداد يذكر خارج جدران واشنطن.
إن أوجه التشابه بين (جلبي) و (غادري) مدهشة للوهلة الأولى. غادري له حصته من الأيام السيئة في التجارة وإدارة الأعمال. فعندما فر (جلبي) من الأردن في عام 1989 بعد انهيار بنك البتراء، وسط اتهامات بالاحتيال المالي، كان (غادري) يملك شركة (هانيبال) للقهوة، التي كانت عبارة عن سلسلة من المقاهي أفلست في 1996..
ويوضح الغادري أن منظمته حديثة للغاية، وهي في أول انطلاقتها، وأنه كعضو سوري في أكبر منظمات اللوبي الصهيوني (الإيباك) ليس بمرشح سياسي قوي في بلد معروف بأنه الأكثر عداءً لإسرائيل. ويعترف أيضاً أن السوريين ليسوا جاهزين لشخص يريد السلم مع اسرائيل»!!..
ويبقى الشعب!!
نعم.. «السوريون ليسوا جاهزين لشخص يريد السلم مع اسرائيل»!!.. ولن يكونوا جاهزين لهذا الدور أبداً.. لم تكن مأثرة يوسف العظمة حدثاً طارئاً في تاريخ شعبنا المجيد.. ولن يكون الغادري المتأمرك ـ المتصهين قارئاً لما يقوله الشعب!!…
■ كمال مراد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
*«ايباك» AIPAC- لمحة تاريخية
تعد منظمة ايباك AIPAC أو لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية American Israeli Public Affairs Committee المنظمة المختصة بشؤون الإعلام والدعاية والضغط أو ما يصطلح على تسميته بشكل عام اللوبي الصهيوني الذي شكلته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، حيث ركزت هذه الحركة جل اهتمامها على الساحة الأمريكية وتعزيز التحالف مع الدولة الإمبريالية الأولى في العالم بسبب دور واشنطن في السياسة العالمية، كما عرفت هذه الحركة كيف تستفيد من وجود الجالية اليهودية في الولايات المتحدة لخدمة لمصالحها وأطماعها التوسعية على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية من خلال ممارسة الضغط على أصحاب القرار السياسي في الحكومة الأمريكية وخصوصاً أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ وكبار موظفي الدولة في وزارة الخارجية والدفاع وغيرهما.
تأسست ايباك كلجنة تابعة للمجلس الصهيوني الأمريكي في عام 1951 ولكنه أنهى علاقته بنشاطها في عام 1954 لأنها رفضت استخدام الأموال المعفية من الضرائب في تمويل نشاطها. إلا أن هذا النشاط استمر تحت اسم اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة أما الاسم النهائي «ايباك» فقد تم اعتماده في عام 1959وتصدر اللجنة نشراتها التي تباع في الأسواق وعبر الاشتراكات ولكنها ترسل إلى جميع أعضاء الكونغرس مجاناً.
وتقوم «ايباك» بنشاط كبير في أروقة الكونغرس وذلك للتأثير على القرار داخل الأطر التشريعية الأمريكية وخصوصاً تلك المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي كما تقوم بدور الحارس للمصالح الإسرائيلية في الإدارة الأمريكية.
وفي هذا المجال يقول عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فندلي: «إن أشهر ما في الكونغرس الأمريكي هو اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة التي تعرف اختصاراً باسم «ايباك» فما أن يذكر هذا الاسم أمام أي شخص في الكابيتول هيل (مبنى الكونغرس في واشنطن) ممن يتعاطون بسياسات الشرق الأوسط حتى يتجهم وجهه إن لم نقل يمتقع فايباك هي صاحبة السلطة الغالبة بين مجموعات الضغط في واشنطن. وليست ايباك سوى جزء من اللوبي الإسرائيلي بيد أنها وبكل وضوح الأهم من ناحية التأثير المباشر على السياسة العامة. وفي السنوات الأخيرة عمقت نفوذها ووسعته ولا أبالغ إذا قلت أن ايباك تتحكم فعلياً بكل تصرفات الكونغرس بشأن السياسة الشرق أوسطية. ويكاد أعضاء مجلس الشيوخ والنواب يطيعون بلا استثناء أوامر هذ اللجنة لأن معظمهم يعد ايباك بصفتها الممثل المباشر لقوة سياسية في الكابيتول قادرة على أن تفتح أمامهم فرص النجاح في الانتخابات أو تقضي عليها».
وفي العام الحالي إبان فترة العدوان على العراق والتحضير لها، توجه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي، المحسوب على من يسمون بحمائم الإدارة الأمريكية، الى مؤتمر ايباك الأخير ليطمئن أعضاء ايباك والكيان الإسرائيلي من خلفهم أن الدعم الأعمى من قبل البيت الأبيض لهم مستمر وأنه سيواصل أخذ صيغة التحالف والاندماج الأكثر من عضوي.
* بتصرف وإضافة نقلاً عن كتاب الإعلام الصهيوني/ الحملة على الاتحاد السوفييتي، تأليف: محمود اللبدي، نيقوسيا- قبرص، نيسان 1989