منتدى دافوس الأردني رسم خريطة السيطرة السياسية الاقتصادية الأمريكية على المنطقة السادة.. والخدم
اختتم مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الاستثنائي الأول الذي عقد خارج «دافوس» في منتجع «الشونة» الأردني على شاطئ البحر الميت، ولمدة ثلاثة أيام أعماله من أجل: «رؤية أمثل لمستقبل مشترك على قاعدة المصالحة العالمية»!!على حد تعبير الداعين إليه.
وبضيافة من الملك الأردني عبد الله الثاني، حفيد الملك عبد الله الأول الذي سلم مدينتي اللد والرملة للإسرائيليين عام 1948، تلاقى تحت المظلة الأمريكية حشد من الساسة ورجال المخابرات ورجال الأعمال والشركات متعددة الجنسية، كما حضره وفد من رجال الأعمال السوريين برئاسة راتب الشلاح رئيس اتحاد الغرف التجارية السورية. ومن الملفت للنظر إلى أن من جاء لتمثيل العراق الذبيح في هذا المنتدى هو الحاكم الأمريكي «بول بريمر».
ظروف عقد المنتدى وأهدافه
ويأتي عقد هذا المنتدى بعد الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق واحتلاله وفي ظل ضغوط واشنطن وتل أبيب لفرض تسوية مذلة للشعب الفلسطيني. وإذا كانت اجتماعات المنتدى أبرزت الجوانب السياسية لإخفاء الجانب الأخطر والأهم لكن الحضور الواسع لقوى العولمة وعلى رأسها صندوقا النقد والبنك الدوليان ومنظمة التجارة العالمية كشف الجانب الأساسي للمنتدى والتي ستعمل على رشوة المنطقة اقتصادياً والتغطية على الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية وهي تغيير خريطة المنطقة لصالحها وكذلك تحقيق الأهداف الإسرائيلية التي تطمع في فرض التسوية على الشعب الفلسطيني ودخول المنطقة من بابها الواسع كشريك رئيسي فيها، كما أن شعار المصالحة العالمية الذي رفعه المنتدى يعد تمهيداً لقيام شرق أوسط جديد ينهي كل ماله علاقة بالنظام العربي أو التطلعات القومية، ووضع المنطقة تحت الإشراف الأمريكي المباشر، وإعطاء إسرائيل دوراً قيادياً في المنطقة على الصعد كافة.
الغياب الفلسطيني والعراقي
فالفلسطينيون يطلب منهم، حسب خطة الطريق، والتي هي أسوأ من اتفاق أوسلو المشؤوم، التنازل عن الأرض أو ما تبقى منها في حوزتهم، ولم تلتهمها المستوطنات «القانونية» أو «العشوائية» والطرق الالتفافية والتنازل عن كونهم شعباً أصيلاً في المنطقة لادخيلاً عليها، وله تاريخ ونضال، مقابل خريطة طريق تمثل الوعد، ـ والوعد ياكمون ـ بدولة شعب، معظم أبنائه خارجها، ولا سيادة لها ولاجيش ولاهوية وحتى لاحدود مشتركة مع أي بلد عربي بما في ذلك أردن الشونة نفسه.
وأما العراقيون الذين أسقط الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني دولتهم بذريعة الإطاحة بنظام صدام الدموي، فلا يعرفون شيئاً عن أحوالهم في أرضهم وليس لهم الحق في إبداء الرأي بأي شأن من شؤونهم، والذي جاء الحاكم الأمريكي بأمره ليمثلهم ويناقش في غيابهم المسائل الخاصة بإعادة إعمار بلادهم، وهذا تعبير مضلل للنهب المنظم لموارد بلادهم والذي ستوزع الإدارة الأمريكية قسماً منها كرشوات ومكافآت لكل من شرّعوا العدوان على العراق واحتلاله.
إدخال اسرائيل في المنطقة
ومن أهداف المنتدى الأردني خلق الأجواء المناسبة للمصالحة بين اسرائيل والحكام العرب. ففي المؤتمرات السابقة في الدار البيضاء والقاهرة وعمان لم تنخرط اسرائيل في اقتصاد الشرق الأوسط العربي، والشرق الأوسط العربي لم ينخرط في اقتصاد العولمة.
أما هذه المرة فلم يقاطع المنتدى من الحكام إلا الليبيون والإيرانيون والسوريون، أما الباقون من الحكام العرب فقد جاؤوا وهم على استعداد للقاء مع الاسرائيليين والحديث والاحتكاك مع وزراء وموظفين كبار في حكومة الليكود المجرمة، وهذا يعد تغييراً دراماتيكياً في نهج الحكام العرب تجاه اسرائيل.
وقد قالت «يديعوت أحرنوت» على الرغم من نبرات النقد على استمرار النزاع الفلسطيني الاسرائيلي كانت اللقاءات تتميز بين المسؤولين الاسرائيليين والمسؤولين العرب بالود، وأضافت: إن اسرائيل هي مرة أخرى شريكة في الحوار، شريكة تٌستقبل ببعض البرود المتحفظ، ولكن لايٌدار لها ظهر المجن.
«شرعية التعامل مع اسرائيل»
كما أن المنتدى وفر لاسرائيل شرعية التعامل مع العراق الرازح تحت الاحتلال، لتساهم، ياللعار، في إعادة بناء العراق، إن كل ذلك يتماشى مع الشعار الذي أطلقه الأمريكيون «المصالحة العالمية» بعد أن صار العراق شأناً أمريكياً.
التركيز على نقطتين
وقد حدد العاهل الأردني المضيف بوضوح الأهداف الحقيقية للمنتدى بنقطتين:
1 ـ تنفيذ خارطة الطريق لإدماج اسرائيل في المنطقة، وما جرى من لقاءات بين المندوبين الاسرائيليين والعرب ماهو إلا خطوة في هذا السبيل، وكان اللقاء العلني «الصدفة» بين ولي عهد البحرين ووزير الخارجية الاسرائيلي تعبيراً عن هذا النهج.
2 ـ دفع عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المنطقة إلى أمام بعد إزالة العقبة الاسرائيلية الفلسطينية والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى وضع المنطقة تحت الإشراف الأمريكي المباشر وبمشاركة اسرائيلية نشيطة.
ومصداقاً على ذلك ماقاله وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالون في بيان أنه اقترح في اجتماع مع الملك الأردني عبد الله إقامة منطقة أردنية اسرائيلية للتجارة الحرة، كما اقترح تشكيل مجموعات عمل لبحث الجوانب المختلفة للمنطقة التي قال إنها قد تصبح نموذجاً للتعاون الإقليمي وتطبيع العلاقات بين اسرائيل وجيرانها، وأن الملك الأردني أبدى استعداده لدعم المشروع!!
«خريطة طريق» أمريكية اقتصادية للمنطقة
أما أميركياً فقد كشفت الولايات المتحدة عن «خريطة طريق» اقتصادية للمنطقة، هدفها إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر مع بلدان الشرق الأوسط بحلول عام 2013، كما أن وزير الخارجية باول أكد على العلاقة بين الجهود من أجل إحلال «سلام» والتنمية الاقتصادية في المنطقة عبر تجارة أكثر حرية وعدلاً!! أي عدل بين الذئب والغنم، وأضاف: نريد «سلاماً» في المنطقة ومع السلام نحتاج إلى تنمية اقتصادية.
أما الممثل الأمريكي للتجارة روبرت زوليك فقد استخدم عبارة «من خريطة الطريق إلى منطقة التجارة الحرة» بين بلدان الشرق الأوسط والولايات المتحدة، ومن أجل هذه الغاية فإن واشنطن تعتزم تخصيص بليون دولار سنوياً لمساعدة الشرق الأوسط على إقامة منطقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وكان عقد اجتماع دافوس الأردني أول خطوة لإطلاق هذه المبادرة.
مالم يحسب حسابه
كل هذه الاجتماعات تعقد، وكل هذه الصفقات توقع، وكل هذه المؤامرات تحبك، وكأن الشعوب العربية وقواها الوطنية والتقدمية غير موجودة، وكأن عملاءهم من الحكام باقون قادرون على تنفيذ الأوامر الأمريكية والاسرائيلية إلى ماشاء الله.
ولكن سيأتي يوم ليس ببعيد سينطبق عليه المثل العامي: «حساب السرايا لم ينطبق على حساب القرايا»، فالشعوب العربية وقواها الخيرة ستنهض عاجلاً أو آجلاً للإطاحة بعملاء الولايات المتحدة ومخططاتها، وهاهوذا الشعب العراقي الذي رفع البندقية في وجه محتلي بلاده الأمريكيين والبريطانيين، وتزداد يوماً بعد يوماً أعمال الشعب العراقي المسلح وينتشر إلى مختلف مناطق العراق. حيث يسقط يومياً قتلى من الجنود الأمريكيين، مما يقض مضجعهم ويجعلهم في حالة قلق دائم.
كما أن الفلسطينيين مازالوا يحملون السلاح ويقاومون ببسالة أعمال العدو الاسرائيلي البربرية ويصرون على ثوابتهم الوطنية التي لن يتخلوا عنها.
إن نضال الشعوب العربية لن يتوقف وسوف يتخذ أشكالاً مختلفة ضد المستعمرين الأمريكيين وعملائهم، ولن تجد الولايات المتحدة أمامها إلا سبيلاً واحداً وهو الخروج من العراق ومن الخليج ومن مختلف المناطق التي تتواجد فيها، وستكون الامبريالية الأمريكية أقصر امبريالية عمراً في التاريخ. إن النجاح المؤقت في العراق أسكر زعماء واشنطن، أما النهاية، أما على المدى البعيد، فلن تكون الا هزيمة لهم وانتصاراً للشعوب المناضلة في سبيل حريتها وكرامتها وحياتها الكريمة.
■ عادل الملا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.