مع استمرار العدوانية الإمبريالية الأمريكية ـ الصهيونية.. الانتفاضة تدشن عامها الثاني

اشتداد مأزق الحرب الأمريكية.. وتصاعد الاحتجاج العالمي
تزامناً مع ارتفاع عقيرة طبول الحرب العالمية المنشودة أمريكياً من خلال الحشود العسكرية والتحركات السياسية والإجراءات الميدانية في المعركة الوهمية ضد الإرهاب، والتي يراد من خلالها قلب معايير العالم لصالح الطاغوت الرأسمالي الأمريكي الصهيوني، عمّدت انتفاضة الأهل في فلسطين المحتلة سنتها الثانية بدماء المزيد من الشهداء والجرحى فيما يواصل الكيان الإسرائيلي ممارسة أبشع أشكال الإرهاب والصلف.

مجلس أمن أمريكي
فقد واصلت قطع البحرية الأمريكية والبريطانية عبور المضائق والمحيطات باتجاه الهدف المعلن، أفغانستان، بينما تستمر التدريبات في القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في آسيا تحضيراً للضربة المرتقبة والتي قد تستهدف أولاً، برأي المحللين، منطقة قندهار، أبرز معاقل طالبان وبن لادن.
وبعد تبدل الموقف الروسي باتجاه تقديم دعم أوسع لواشنطن في مساعيها بما في ذلك من تسهيلات عسكرية ومع خفوت نبرة المواقف الصينية وإعراب بعض دول آسيا الوسطى عن استعدادها لتقديم المساندة بفتح الأراضي والأجواء، وافق مجلس الأمن الدولي وبسرعة غير مسبوقة في جلسة طارئة على مشروع أمريكي يقضي بتجميد الحسابات التجارية والمصرفية لأي فرد أو منظمة يعتقد بأن لها صلات إرهابية، حسب قواميس البيت الأبيض بالطبع، وذلك بعد أن أعلن جورج بوش مع وزيري خارجيته وماليته عن جملة من إجراءات تطال بشكل رئيسي من وصفهم بوش، عبر تعميم يكشف بعضاً من أنيابه الخلفية، بـ «المنظمات غير الحكومية ذات الأصوات المحببة التي تخفي نوايا إرهابية».

متهم مسبقاً وبريء مسبقاً
ويأتي ذلك أيضاً بعد نشر مكتب التحقيقات الاتحادي لصور 19 مشتبهاً به، ينحدرون كلّهم، وبمحض الصدفة «الأمريكية»، من أصول عربية وإسلامية، وذلك على الرغم من تزايد عدد التصريحات الدولية التي تومئ بصراحة إلى ضلوع إسرائيل في العمليات الترويعية ضد الشعب الأمريكي حيث كان آخر هذه التصريحات ما قاله مسؤول رفيع المستوى في المخابرات الباكستانية.

«استعراض التسمين.. قبل الذبح..!!»
أفغانياً ومع تشتت الشعب بين حكومة طالبان في كابول وفصائل المعارضة التي تمكّن تحالف الشمال منها من استعادة سيطرته على بعض المناطق غربي البلاد أكدت مصادر الأمم المتحدة أن 7.5 مليون أفغاني سيكونون في فاقة غذائية شديدة، ولاسيما مع التلويح الأمريكي بالحرب، في غضون الأسابيع القادمة مع خطر فنائهم ما لم يجر تقديم المساعدات اللازمة لهم من المجتمع الدولي.
الولايات المتحدة من جانبها وفي حركة تمثيلية أرسلت شحنة مساعدات غذائية للشعب الأفغاني الذي تنوي قصفه بل وأعلنت عن استعدادها مساعدة أفغانستان بتجاوز محنتها إذا ما تمت الإطاحة بطالبان وذلك إثر اللقاء الذي جمع وفد أعضاء مجلس شيوخها وممثلي تحالف الشمال المعارض، والملك الأفغاني المخلوع محمد ظاهر شاه الذي سبق لمبعوث الأمم المتحدة أن استحضره من سباته المفترض في روما معرباً له عن أمله في أن يعود إلى سدة الحكم في البلاد التي أضحت تقبع في براثن ما قبل التاريخ.

بن لادن تحت السيطرة
أما طالبان التي بدأت تعاني من انسحابات في صفوف قواتها لصالح قوات المعارضة، التي أبدت بدورها الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة، معربة عن خشيتها بخصوص الضحايا المدنيين، فقد واصلت استنفار قواتها البدائية ومعنوياتها لملاقاة آلة الحرب الأمريكية غير التقليدية متوعدة على لسان قادتها الروحيين كلاً من الولايات المتحدة بحرب «جهادية» طويلة، ومحذرة الملك المخلوع القادم على أكتاف الأمريكان حسب قولهم من التدخل في شؤون أفغانستان الداخلية، ومؤكدة أن أسامة بن لادن يخضع لسيطرتها الكاملة وأنه تسلم رسالة كبار العلماء التي تطلب إليه مغادرة البلاد طواعية.

المأزق الباكستاني: «طالبان نووية»..!!
وعلى الجانب الآخر من الحدود مع باكستان بدأت تتضح اكثر فأكثر على خلفية المواقف من الأحداث الأخيرة معالم الانقسام الداخلي السياسي والطائفي والمذهبي الذي يعمل على حدوثه أصحاب «النظام العالمي الجديد».
فبينما تخرج بين الفينة والأخرى مظاهرات صغيرة مؤيدة للولايات المتحدة ولمواقف الحكومة التي أعلنت أن باكستان لن تكون ملاذاً آمناً لبن لادن وتنظيم القاعدة أو فسحة للاجئين أفغان جدد، لا تزال المدن الباكستانية، ولا سيما الحدودية منها مع أفغانستان، تشهد مظاهرات احتجاجية صاخبة تدعو حكومة الجنرال برويز مشرف إلى التراجع عن أي وعود قد تكون مقطوعة لواشنطن بخصوص السماح لها باستخدام الأراضي والأجواء الباكستانية في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان.
ورغم إعلان مشرف أن قواته لن تدخل الحرب الميدانية إلى جانب الأمريكيين، وهو الذي قبض مساعدات مالية من الولايات المتحدة وجدولة لديون بلاده لها لقاء مواقف حكومته المتعاونة، فقد أعلن قادة القبائل وفي مقابلة مع شبكةCNN الأمريكية ذاتها أن التعاون بين باكستان والولايات المتحدة مرفوض «لأن الحرب تجري ضد الإسلام» وأن ذلك سيفضي إلى إسقاط مشرف وتولي حكومة جديدة زمام الأمور في إسلام آباد ولكن «على الطريقة الطالبانية لأنها تشكل الإسلام الصحيح» حسب زعم هؤلاء.

فيلم أمريكي خطير رغم سذاجته..
إلى ذلك وعلى الرغم من مخاطره وأبعاده العالمية الكبرى فإن قصر الاتهامات على جهات محددة، وبطرق عنصرية سافرة، ولأسباب وأهداف باتت معروفة، كل ذلك بات يكشف سذاجة حبكة الفيلم الهوليودي الجديد بالنسبة إلى شرائح واسعة في مناطق مختلفة من العالم ولكن أيضاً على خلفية مواقف وأبعاد فهم مختلفة للجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والدينية. ويتجلى ذلك في اللافتات المرفوعة في المظاهرات المناهضة للحرب الأمريكية العالمية الجديدة وللعنصرية الجديدة والحروب الرأسمالية وازدواجية المعايير والتي تشهدها مدن عديدة في العالم بدءاً من واشنطن ذاتها وانتهاءً بجاكرتا مروراً ببرلين وروما وسيدني ونيودلهي وإسلام آباد وكراتشي وغيرها والتي لم تخل في بعض الحالات من سقوط ضحايا برصاص شرطة مكافحة الشغب..

الموقف السوري
وفي هذا السياق ومع قيام مسؤولي الاتحاد الأوربي بمواصلة محاولاتهم الحثيثة حشد التأييد للحرب الأمريكية الضبابية الاعتباطية المجتزأة ضد الإرهاب، ودون توافر أدلة واضحة لديهم من واشنطن حسب اعترافاتهم شخصياً، أعلنت سورية عند انتهاء زيارة وفد الترويكا الأوربية إلى دمشق، للهدف ذاته، أعلنت موقفها مما جرى في الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة وتداعياته، حيث قالت على لسان وزير الخارجية السيد فاروق الشرع في مؤتمر صحفي إن أهداف الحملة الدولية المناهضة للإرهاب يجب أن تكون واضحة وجلية، وإنه لا يمكن القيام بأي عمل عسكري يفضي إلى سقوط أبرياء جدد عوضاً عن تحديد المذنبين ومعاقبتهم، وإن إطار الأمم المتحدة هام كغطاء شرعي ومن أجل تحديد مفهوم الإرهاب الذي لا ينبغي خلطه بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وإنه لا ينبغي أن ينشأ أي ربط بين الإرهاب والعالمين العربي والإسلامي.

عام على الانتفاضة
وفي الانعكاس الفلسطيني وبينما يواصل الكيان الصهيوني استغلاله انشغال الرأي العام العالمي بتفاعلات الحدث الأمريكي على الساحة العالمية دخلت الانتفاضة الفلسطينية عامها الثاني متحدية محاولة إجهاضها رغم ما سمي بإعلان الهدنة إثر لقاء بيريز عرفات والتي عاود الإسرائيليون ممارسة هوايتهم المفضلة في قتل المزيد من الفلسطينيين قبل أن يجف حبرها..

«إسرائيل».. وسياسة «إرهاب الدولة»
وعلى الرغم من ذلك الإعلان الهش أساساً والذي أتى بضغط أمريكي أوربي بما يتجاوز أبسط حقوق الفلسطينيين، وبالاستناد إلى إطلاق حملة ابتزاز واسعة بحق الفلسطينيين والقوى العربية الفاعلة على خلفية استغلال أحداث نيويورك وواشنطن، فقد واصلت الدبابات الإسرائيلية التوغل في المدن الفلسطينية وتطويقها وعزلها وقصفها دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل، واغتيالها دون تمييز أيضاً بين مناضل من فصائل المقاومة وضابط في شرطة السلطة الفلسطينية، ناهيك عن تدمير البنى التحتية البسيطة أساساً، ليقترب عدد الضحايا من 700 شهيد فلسطيني وآلاف الجرحى واليتامى والثكالى على مذبح الحرية والاستقلال منذ الثامن والعشرين من أيلول العام الماضي، شرارة انطلاق انتفاضة الأقصى.

خسائر إسرائيلية
في المقابل، ولأنه يدرك حجم الخسائر الاقتصادية والمعنوية والعسكرية والبشرية التي ألحقتها الانتفاضة به، فقد وصل صلف الكيان الإسرائيلي إلى حد تسليم قيادة السلطة الفلسطينية قائمة بأسماء المطلوبين لديه من المناضلين الفلسطينيين وقادة الانتفاضة ميدانياً، بينما تبجح مجرم الحرب شارون الذي استؤنفت فعاليات الدعوى المرفوعة عليه في بلجيكا والذي يرأس حكومة القوة المحتلة الوحيدة المتبقية في العالم بأن «على إسرائيل أن لا تسمح للعرب بانتهاك الاتفاقات الموقعة مع الدولة العبرية»..!

مخاطر.. ودور الشارع العربي
مخاطر وأد الانتفاضة تبرز في ظل الترهل العربي عموماً وتخاذل بعض أطرافه مع عدم ارتقاء المستوى الرسمي إلى حد متطلبات الشارع وتوجيهها بالشكل الصحيح كتوسيع هوامشه الديمقراطية، واعتماد لغة المصالح المتبادلة عربياً-عربيا أولاً، وعربياً دولياً ثانياً مع تفعيل سلاح المقاطعة، وهو ذات السلاح الذي سارعت الولايات المتحدة إلى استخدامه في حربها الجديدة رغم عدم عدالة وموضوعية أهدافها. كما تبرز المخاطر تجاه الانتفاضة في ظل التآمر الضاغط دولياً الذي يتضمن استمرار صمت العالم المتحضر على الفظائع الوحشية التي يرتكبها قادة الكيان الصهيوني يومياً، كما يتضمن دعوة الأطراف إلى ضبط النفس ووقف ما تحب أن تسميه وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية «العنف المتبادل» بما يساوي بين القاتل والضحية..
وعلى الرغم من ذلك ولأن ذاكرة الشعوب لا تنسى، والقوى الحية في الشارع الفلسطيني والعربي لا ترضخ للضغوط ولا تستسلم بالمطلق لأي «ضرورات» ظرفية، يبدو أن الانتفاضة والفعاليات الداعمة لها ستتواصل حتى تحقيق أهدافها المقرة في الشرائع الدولية كافة، متابعةً تقديم الأمثلة الساطعة في النضال والتضحية، حيث لم يعد لدى الشعب الفلسطيني «المحاصر بالجند والجوع والقتل والخائنين» ما يخسره سوى قيود إذلاله وتشريده.. رغم أن حجارة أطفاله في عامها الثاني هي من تثأر للكرامة العربية..