من اليأس إلى الاستقالة إلى إعلان الدولة

يوم أطلق محمود عباس تهديده بالاستقالة أو عدم الترشح لمنصب الرئاسة في مطلع العام القادم تساءل الكثيرون حول التوقيت والأسباب العميقة لـ«تهديداته» خصوصاً بعد أن نشرت وسائل إعلام عربية وأجنبية أن عباس كان قد أرسل رسالةً خاصةً للرئيس الأمريكي باراك أوباما يعلمه فيها عن إحباطه من الموقع الأمريكي وعن نيته الاستقالة من منصبة وعدم نيته الترشح لمنصب رئيس السلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ولكن عندما اجتمعت «لجنة المتابعة العربية» في القاهرة والتي من مهامها تسويق المبادرة العربية سيئة الصيت، فوجئ الرأي العام العربي بقرارها التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بإعلان الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

نتحدث عن «مفاجأة» الرأي العام العربي لأن شعوبنا كانت قد اختبرت نشاط «لجنة المتابعة العربية» إبان العدوان الصهيوني على غزة، يوم سافر أعضاؤها في رحلة ترفيهية للقيام بحملة علاقات عامة في أروقة الأمم المتحدة في حين كان سلاح العدو يقصف أهالي غزة بالفوسفور الأبيض ويرتكب مجازر غير مسبوقة ضد أهالي القطاع الذين صمدوا باللحم الحي وأفشلوا العدوان سياسياً ورسخوا مفهوم المقاومة كمعادل وحيد في مواجهة الاحتلال.

.. فإذا كان النظام الرسمي العربي لم يستطع إقناع الولايات المتحدة و«إسرائيلها» حتى بمجرد مناقشة «المبادرة العربية» على كل ما فيها من تنازلات، أبرزها التأسيس للتنازل عن حق العودة، فكيف يمكن للشعوب العربية أن تثق بقدرة النظام الرسمي العربي على استصدار قرار من مجلس الأمن بإعلان قيام الدولة الفلسطينية؟ كلنا يعرف أن الوطن العربي بالمعنى الاستراتيجي يخضع للاحتلالين الأمريكي والصهيوني، وكلنا يدرك أن شعوبنا لم تهزم، وكان ممنوعاً عليها ممارسة خيار المقاومة، بسبب تبعية الغالبية الساحقة من القيادات العربية لمشيئة التحالف الإمبريالي- الصهيوني، كما تدرك شعوبنا خطورة الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني، والاقتتال العربي- العربي في العراق وبين اليمن والسعودية وفي الصومال وما يحاك للسودان من تقسيم ومن إعداد لحرب أهلية داخلية أوسع بكثير من الوضع في دارفور، وليس هناك صعوبة في معرفة من يغذي وينفذ مخطط التفتيت ضد كل شعوب الشرق العظيم.

من هنا نؤكد أن الاستفاقة المتأخرة للسلطة في رام الله ولـ«لجنة المتابعة العربية» حول اللجوء إلى مجلس الأمن واستجداء قرار بإعلان الدولة الفلسطينية لا تعدو كونها مشروعاً وهمياً وهروباً للأمام من الاستحقاقات الوطنية، كما تمثل اعترافاً بسقوط سياسة المساومة والتفريط بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، فعندما يعترف أحد أبرز صانعي «اتفاقات أوسلو» بوصول العملية السياسية إلى طريق مسدود، فهذا يعني اعترافاً ضمنياً أن الكيان الصهيوني أخذ في زمن المفاوضات (18 عاماً) أكثر مما أخذه في الحروب. فمنذ أن دخلت السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة وحتى الآن صارت مهمة الشرطة الفلسطينية إخماد فصائل المقاومة وإفشال عملياتها ضد المستعمرات الصهيونية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وازداد الحجم السكاني لليهود في المستعمرات بمقدار الضعفين وتم بناء جدار الفصل العنصري المتعرج بطول أكثر من ستمئة كيلومتر وطوقت القدس بحمى الاستيطان وآخرها بدء البناء بتسعمئة وحدة سكنية جديدة على أراضي بيت لحم. كل ذلك حدث في ظل استمرار المفاوضات، والسلطة تقدم التراجع تلو الآخر.

.. في مقارنة أوردها الأمين العام لحزب الله في خطابه بيوم الشهيد، أنه خلال 18 سنة من المقاومة منذ 1982 أمكن تحرير بيروت والجبل والبقاع والجنوب عام 2000، في حين أن المساومة والمفاوضات مع العدو لم تحرر شبراً من الأرض الفلسطينية، ولم تحرر أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال.

كنا أشرنا مراراً إلى أن مفهوم الكيان الصهيوني لترجمة رؤية بوش، وأوباما لاحقاً، بشأن إقامة الدولة الفلسطينية يتجسد في ترسيخ الاستيطان والجدار وتهويد الأرض وفرض التطبيع على الدول العربية وإعطائها مهمة نزع سلاح المقاومة داخل وخارج فلسطين وحتى زوال التهديد الإيراني قبل قيام الدولة وبالصورة التي ترضى عنها تل أبيب وواشنطن، دولة منزوعة السلاح، مقطعة الأوصال جغرافياً، خالية من السيادة على حدودها براً وبحراً وجواً.

.. تتوهم السلطة الفلسطينية بالحديث عن التوجه لمجلس الأمن، أنها أوجدت مخرجاً لمأزقها ومأزق النظام الرسمي العربي، في حين أن الحل هو مواجهة الاحتلال بالمقاومة وإعادة الاعتبار للإجماع الوطني الفلسطيني، وتعزيز الوحدة الوطنية والتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة!