الفقر والبطالة في بلد البترول

اعتبرت الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي للأحياء الفقيرة في العاصمة الرياض، أول اعتراف رسمي ببروز ظاهرة استفحل خطرها وهي وجود فئات اجتماعية واسعة تحت خط الفقر، في بلد يعد من أغنى بلدان العالم، حيث تملك السعودية ربع احتياطي النفط العالمي.

فحتى وقت قريب لم تكن هنالك أية إشارة أو تلميح بوجود فقراء وبطالين في هذا البلد الخليجي والتي يقطنها نحو عشرين مليون نسمة، بل على العكس كانت هناك مبالغة في تصوير هذه الدولة الخليجية من حيث الرفاهية التي  يتمتع بها المواطنون، وتقول الأخبار أن ولي العهد وبرفقته وزير العمل والشؤون الاجتماعية قد زارا عائلات وبيوتات في أحياء مدينة الرياض القديمة التي ينهشها الفقر، ليتم بعد ذلك الاعتراف رسمياً بوجود فقر مدقع وبدء رسم الخطط لمكافحته.

ويتفق الخبراء على أن للفقر أسباباً في هذا البلد الخليجي منها:

1. البطالة: حيث أن سوق العمل يتدفق عليه سنوياً ما لايقل عن 100 ألف شخص مؤهل للعمل، وفي أفضل الحالات، فإن نصفهم يجدون وظائف لهم أما الباقون فيتسكعون في الطرقات والشوارع، وحال هؤلاء البطالين الذين لا يجدون عملاً يعيشون منه، وبلدهم يعوم على بحر من النفط كحال الشاعر القديم الذي قال:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما             والماء فوق ظهورها محمول

وتشير الأرقام إلى أن البطالة التي لها صلة وثيقة بالفقر تبلغ ما بين 15 ـ 20% من عدد السكان القادرين على العمل، وهي من أكبر الأسواق المفتوحة للعمالة الأجنبية،و خصوصاً من جنوب شرق أسيا، حيث أجور العمال متدنية، ويشكل هؤلاء الأجانب 65% من القوة العاملة في البلاد.

وتسعى الحكومة السعودية ومن خلال خطة خمسية صدرت عام 2001 لتوظيف أكثر من 800 ألف عاطل عن العمل، وتنص أيضا ًعلى إحداث 328 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص. ولم تذكر الخطة الطريقة التي يجب أن تسلك لتخفيف البطالة، هل هي عن طريق بناء مشاريع صناعية وزراعية جديدة تمتص الأيدي العاملة البطالة، أم أنها، كما تفيد الأخبار ستحلها عن طريق السعودة، أي إحلال مواطنين سعوديين محل عمال أجانب.

ويرى محللون اقتصاديون أن ثلاثة ملايين أجنبي سيضطرون إلى مغادرة السعودية في غضون السنوات العشر المقبلة، إثر قرار الحكومة السعودية تقليص نسبة البطالة المرتفعة وقال وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز: إن عدد العمال الأجانب وأسرهم يجب  أن لايزيد عما نسبته 20% من السكان، وأن هذا التخفيف سيجري تدريجياً حتى سنة 2013، وأن أكثر من سيؤثر عليها نظام الحصص هي جاليات الهند وباكستان وبنغلاديش ومصر وا لسودان وسورية والفلبين، حيث يفوق رعايا كل من هذه الجاليات الـ 10% المقررة.

أما القطاع الخاص الذي توضع أمامه مهمة تشغيل آلاف العاطلين عن العمل فهو غير متحمس أصلاً، لأن مصلحته الاقتصادية وأرباحه، تدفعه للاستعانة بالأيدي العاملة المستوردة ذات الأجور المنخفضة، ولا تلزمه بتقديم أية ضمانات صحية أو سكنية وغيرها، لأن المواطن السعودي يطالب بأجر أكبر حتى يعيش حياة لائقة.

2. والسبب الآخر للفقر هو ارتفاع أسعار المعيشة التي شهدت خلال السنوات العشرين الماضية ارتفاعاً كبيراً. فأسعار الكثير من السلع والخدمات والمستلزمات الأساسية ازدادت في هذه الفترة، أكثر من أربعة أضعاف قابلها ثبات دخول الموظفين خلال الفترة ذاتها، لأن الحكومة سعت من خلال هذا النهج إلى ضبط الكتلة النقدية والحد من التضخم، لا على حساب المليارديرية الذين يوظفون أموالهم الطائلة في البنوك الأمريكية وغير الأمريكية، بل على حساب الفقراء والمتوسطين.

إن الفقر في السعودية ينعكس على الأفراد بشكل مباشر من خلال حرمانهم من العمل ومن الرعاية الصحية،وعدم الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة، وتتقلص عاماً بعد عام، كالتعليم مثلاً، ولذلك فإن البعض يلجأ إلى سبل محظورة قانونياً لتأمين  العيش، كالاتجار بالممنوعات أو التسول، وتؤكد دراسة قدمتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن ظاهرة التسول في المجتمع السعودي تقول: إن الدافع الرئيسي لتسول الأطفال هو الحالة المادية المتدهورة بنسبة 47% فيما أشارت دراسة أخرى إلى أن الجرائم الاجتماعية تصدر من الطبقات ذات الاقتصادات الدنيا وذلك بحثا ًعن المال.

إن طريق الرأسمالية مسدود، ولن تفرز إلا هذه الظاهرات السلبية التي تنخر في جسم المجتمع وتكون خميرة لتحركات اجتماعية قادمة، إذا لم تواجَه في منصف الطريق.

■ عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.