ماذا وراء استحضار «كي جي بي» صهيونياً؟
كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية خلال الأسبوع الماضي عما قالت أنه هوية المسؤولين الذين جنّدهم جهاز الاستخبارات السوفييتي «كي جي بي» للعمل لصالحه. وضمّت القائمة أسماء حركية، وأوصاف، وأسماء حقيقية, ومن بينهم أحد أبرز قيادات «الهاغاناه»، موشي سنيه، والد الوزير السابق إفرايم سنيه.
يأتي تقرير الصحيفة الذي أعده رونين بيرغمان، بالاعتماد على وثائق سوفياتية وصلت إلى بريطانيا في العام 1992، مع عميل روسي فار هو فاسيلي ميتروكين. وتشير الوثائق إلى أن سنيه وفّر للاستخبارات السوفييتية معلومات هامة عن السياسة الخارجية الصهيونية.
وكان سنيه المصدر الرئيسي لتقارير نقلتها السفارة السوفياتية في تل أبيب العام 1992 إلى موسكو. وأشارت إلى تبعية وزير الخارجية حينها، موشي شاريت، للولايات المتحدة، وتفاصيل حول طبيعة علاقته بواشنطن.
تفاصيل التحقيق: أحزاب وقوى وشخصيات رفيعة
ومن بين الساسة الذين تعاونوا مع جهاز الاستخبارات السوفييتية، يبرز اسم، يعقوب ريفتين الذي خدم كعضو كنيست عن حزب «مبام» في السنوات 1949-1965. وهو نقل للروس بشكل دائم وثائق سرية صهيونية، بينها وثائق مصنّفة بأنها بالغة السرية. في المقابل، شدد الوزير السابق، إفرايم سنيه، على أن علاقات والده مع الروس كانت علنية، ولم تتعلق بنقل معلومات سرية.
وذكر التحقيق اسم عضو الكنيست، أليعزر غرانوت، وهو من حزب «مبام». وقد خدم غرانوت كعضو في لجنة الخارجية و«الأمن» في الكنيست، وكأمين عام لحزبه. ويذكر التحقيق أيضاً اسم يعقوب فاردي، وهو من قيادات حركة «هشومير هتسعير»، وكذلك اسم شلومو شملي، عضو اللجنة المركزية للحزب «الشيوعي الإسرائيلي».
وتشير «الوثائق» إلى أن المخابرات السوفياتية تمكنت من تجنيد صموئيل كختاي، وهو مهندس تولى منصباً بالغ السرية في الصناعات الجوية لكيان العدو، وكان على صلة بتطوير طائرة «لافي»، إلا أن كختاي نفى الأمر، مؤكدا أنه «غير مرتبط أبداً بهذا الموضوع».
كما برز اسم غريغوري لوندين، الذي عمل في مشروع صيانة وتحديث محركات دبابة «ميركافا» في القائمة. ويعد لوندين نموذجاً لمن تم ضبطهم واعتقالهم. فقد اعتقله «الشاباك» في العام 1988، وحكمت عليه المحكمة بالسجن. كما يظهر في القائمة أيضاً اسم رجل وزارة الخارجية والاقتصادي، زئيف أفني، الذي اعتقلته سلطة العدو في العام 1956، بعد أن ثبت أنه عميل للـ«كي جي بي». وهذه هي المرة الأولى التي يشار فيها إلى اسمه في وثيقة تتعلق بـ«كي جي بي»، حيث يشار إلى حجم المواد التي بعثها والضرر الذي ألحقه بـ«إسرائيل».
وبحسب الوثائق، فإن أفني نقل لمندوب الـ«كي جي بي» في بلغراد في العامين 1955 و1956 وثائق تحوي شيفرات الاتصالات الصهيونية في أوروبا، إلى جانب معلومات كثيرة عن عملاء الموساد في أوروبا. وتشمل القائمة ثلاثة صحافيين، أحدهم أفيفا ستين، من مجلة «هعولام هزي»، ولم تنشر الصحيفة إسمَي الصحافيين الآخرين، لكن ذكرت أن أحدهما كان يعمل في ديوان الرئيس الأول للكيان، حاييم وايزمان. أما الصحافي الثالث فَذُكِر فقط اسمه الحركي، وهو «تموز»، وقد وصفته «يديعوت» بأنه «نجم صاعد في سماء الصحافة»، ومقرّب من الحزب الحاكم «مباي»، وتم تجنيده للـ«كي جي بي» في العام 1965، من دون أن يعلم الروس أنه عميل مزدوج للـ«شاباك» أيضاً. أما العملاء من ذوي الرتب العالية الذين تجسسوا لصالح الـ«كي جي بي»، فهم جنرال في الجيش الصهيوني، وقائد في جهاز «الشاباك». ولم تنشر الصحيفة اسمي هؤلاء ولا نوعية العلاقة التي أقاماها مع الروس.
وتصف الوثائق رجل «الشاباك» باسمه الحركي «مالينكا»، وأنه «كما يبدو قائداً كبيراً في شعبة التجسس المضاد في الشاباك». وتذكر القائمة اسماً حركياً هو «بجان»، ولم ينشر اسمه الحقيقي، ولكن الصحيفة تقول إنه مهندس روسي تم تأهيله كجاسوس وزرع في الجيش الصهيوني، حيث احتل منصباً مركزياً في مجال البنى التحتية، واطلع على الكثير جداً من الأسرار العسكرية، وبعد تسريحه من الجيش تولى مناصب عليا في الاقتصاد.
لماذا ذلك كله ؟
المؤكد أن طريقة إصدار التحقيق، وتوقيتها، والأسماء الواردة فيها، تشير بوضوح إلى ميلٍ لدى قادة كيان العدو نحو «تصفية» خصومهم السياسيين في الداخل المحتل. حيث بدا لافتاً أن المتهمين في عمليات التجسس المفترضة جميعهم هم إما مسؤولين سابقين انضموا إلى عداد المعارضة القائمة للحكم اليميني الصهيوني، وإما أسماء معروفة تلعب اليوم دوراً واضحاً في رفض السياسات الداخلية للحزب الحاكم في كيان الاحتلال.
وعليه، يبدو استحضار الـ«الكي جي بي» في هذا السياق ليس أكثر من مناورات سياسية يتناوب على استخدامها كل من «اليمين- اليسار» في كيان الاحتلال، حيث تنمحي الحدود الفاصلة المفترضة بينهما بمجرد أن يتعلق الحديث بالكيان ككيان.