واشنطن وفزاعة «الإرهاب البيولوجي»
أنفقت الولايات المتحدة 33 مليار دولار على الأقل منذ عام 2002 لمكافحة تهديد الإرهاب البيولوجي . والمشكلة هي أن الخطر من أن الإرهابيين سيستخدمون مواد بيولوجية يتم تضخيمه والمبالغة فيه بشكل منظم وممنهج ومتعمد. كما أن الحكومة الأمريكية تستخدم معظم أموالها للاستعداد للطوارئ الخاطئة .
إن تفشيا وبائيا لأنفلونزا الطيور من مثل النوع الذي شهده العالم في عامي 1918-1919 يمكن أن يقتل مئات الملايين من الناس. والهجوم البيولوجي المميت الوحيد في الولايات المتحدة - وهو طرود البريد المحتوية على الجمرة الخبيثة - قتل خمسة أشخاص. ولكن الميزانية السنوية لمكافحة الإرهاب البيولوجي هي أكثر من 7 مليارات دولار، بينما مرر الكونغرس مؤخراً حزمة طوارئ قدرها 3.8 مليار دولار للاستعداد لتفشي أنفلونزا الطيور.
والآن يزداد عمل مجموعة من المعاهد والبرامج ووكلاء الدعاية والإعلان الذين لهم مصلحة معينة في التفزيع من تهديد الإرهاب البيولوجي بتمويل من الحكومة ومن مؤسسات خاصة.
وفي العام الماضي مثلاً وصف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي بيل فريست الإرهاب البيولوجي بأنه "أكبر تهديد قائم لدينا في العالم اليوم". ولكن كيف يمكن أن يبرر مثل ذلك الزعم؟ فهل الإرهاب البيولوجي تهديد قائم أكبر من تغير المناخ العالمي ومستويات الفقر العالمية والحروب والصراعات والانتشار النووي وتدهور جودة المحيطات وإزالة الغابات والتصحر ونضوب مستجمعات المياه النقية أو توازن النمو السكاني وإنتاج الغذاء؟ وهل من المحتمل أن يقتل أناسا أكثر من الإيدز والسل والملاريا والحصبة والكوليرا، والتي تقتل أكثر من 11 مليون شخص كل عام؟
إذن ما الذي يجسد ويثبت الفزع والإنفاق الفيدرالي الهائل على الإرهاب البيولوجي؟ هناك مصدران رئيسيان لتهديد الإرهاب البيولوجي: أولاً، من الدول التي تطور أسلحة بيولوجية، وثانياً، من الجماعات الإرهابية التي قد تشتريها أو تسرقها أو تنتجها.
إلا أن لا دولة "معادية" قد فعلت ذلك. وثانياً أن الذين قاموا بعمليات إرسال خطابات الجمرة الخبيثة لم يتم تحديدهم. فإذا كان مرتكبو جرم إرسال خطابات الجمرة الخبيثة لم يكن لديهم سبيل للمساعدة أو الوصول إلى المواد اللازمة أو المعرفة المستمدة من برنامج الدفاع البيولوجي الأمريكي، ولكنهم تطوروا مثل ذلك التطور بشكل مستقل، فإن ذلك كان يمكن أن يغير وجهة نظرنا في احتمال أن تكون جماعة إرهابية ما قادرة عليه. على أنه حتى الآن، أظهر تاريخ التجربة الإرهابية فيما يتعلق بالأسلحة البيولوجية أن قتل أعداد كبيرة من الناس ليس أمراً سهلاً كما وجهنا إلى اعتقاده.
(وبالتالي) ليس هناك من مبرر عسكري ولا استراتيجي في أن نعزو أو ننسب إلى الجماعات الإرهابية عملياً قدرات لا يمتلكونها . ولكن لم يجر أي تحليل للخطر قبل إنفاق 33 مليار دولار.
إن بعض العلماء والسياسيين يعترفون بشكل خاص أن تهديد هجمات الإرهاب البيولوجي يتم تضخيمه والمبالغة فيه، ولكنهم يدفعون بأن الانفاق على منع الإرهاب البيولوجي والوقاية منه والاستجابة له سيكون غير كاف دون ذلك التفزيع والمبالغة (؟؟!) وهو ما لا تحمد عقباه. فمن المؤكد تقريباً أن ذلك هو العامل الوحيد الكبير في تحفيز وإثارة الاهتمام بين الجماعات الإرهابية . فقد كتب نائب أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، على قرص مرن تم الاستيلاء عليه ما يلي: "إنما أصبحنا واعين ومدركين (للأسلحة البيولوجية) عندما لفت العدو انتباهنا إليها بالتعبير مراراً عن المخاوف من أنها يمكن أن تنتج ببساطة بمواد متوافرة بسهولة" . . نحن الأمريكيين ننشئ أسوأ كابوس لنا.
■ ميلتون ليتينبيرغ/ جامعة ميريلاند
مقاطع / نقلاً عن "الوطن"