أدوات برسم الإيجار!
كرة النار التي أشعلت شرارتها الأولى عملية السطو المشبوهة– توقيتاً ووظيفةً- على أحد المصارف في بلدة «أميون» الشمالية، امتد لهيبها المُخَطط له إلى شوارع طرابلس، لينتقل بعدها إلى الهدف المحدد «مخيم نهر البارد». وإذا كان الفعل قد ارتبط بجماعة «فتح الإسلام» فإن الرد عليه جاء مباشرة من قبل قوى الأمن الداخلي «مديرية المعلومات»، التي ربط المراقبون بين كبار ضباطها ومسؤوليها، وبعض أركان الجماعات «الإسلامية» المسلحة. واللافت لنظر المتابعين لتطور الحدث منذ لحظاته الأولى، كانت السرعة الاستثنائية التي تم فيها زج الجيش بالأحداث، سواء الدفع به لمسرح الاشتباكات، أو استهدافه بالمذبحة الوحشية التي قامت بها الجماعة الإرهابية ضد بعض مراكزه. لقد كُتب الكثير في الصحافة المحلية؛ والعالمية (مانشره وتحدث عنه «سيمور هيرش») حول خيوط الشبكة العنكبوتية التي قامت أجهزة الاستخبارات برسم امتداداتها وأدوارها، لتقوم جميع مكوناتها بالدور المطلوب: تنفيذ مخطط الفوضى المدمرة.
لم يكن استهداف مخيم نهر البارد صدفة، كل طرف من صانعي الحدث أراد المكان لدلالاته الخاصة، فحرية التحرك أتاحت لهذه المجموعات، حسنة التنظيم والتدريب، الدخول للمخيم تحت يافطات محددة، نتيجة سوء تقدير قيادة «الممر الوحيد» الذي عبرت منه هذه العناصر إلى المكان. كما أن سلاح المقاومة الفلسطينية المنتشر في المخيمات، لابد أن تستهدفه قوى الفوضى «الهلاكة» كخطوة ضرورية لعملية سحب سلاح المقاومة اللبنانية، وإعادة تركيب الوضع الداخلي اللبناني كما تسعى إليه قوى الرابع عشر من شباط. إن مأزق الحالة الراهنة حول المخيم، تعكس بالضبط أزمة الوضع اللبناني بتدخلاته الإقليمية والدولية، والتي لاتشير الأيام القليلة القادمة لحلول ممكنة لها.
في ظل هذا الوضع القابل للانفجار الشامل بأية لحظة، جاءت مواقف وليد جنبلاط كما عبر عنها في مؤتمره الصحفي في «المختارة» لتكشف عن المدى الذي تعمل قوى الرابع عشر من شباط لتصل إليه الحالة المستعصية. باختصار إلى تفجير وتدمير المجتمع اللبناني. إن حالة الهذيان التي كان يعيشها رئيس مايسمى بـ«اللقاء الديمقراطي» عكست حالة عدم التوازن الشاملة التي كانت تتحكم بالكلمات والحركات والاستنتاجات التي حاول من خلالها، قراءة الواقع بعيون أمريكية/ صهيونية، ورغبته برسم مستقبل لبنان والمنطقة، بدماء الشعبين اللبناني والفلسطيني، التي سيحدد بمساحتها حدود الخطوط الحمر، كما وضعتها عصابة المحافظين الجدد في واشنطن.
جاء مؤتمره الهزيل-حضوراً وتغطية- بهدف كيل الشتائم لسورية، والرد على الخطاب السياسي الشامل، والمتوازن، والموضوعي للسيد حسن نصر الله بمناسبة الذكرى السابعة ليوم «المقاومة والتحرير». لقد نفث سيد المختارة سمومه في أكثر من اتجاه، لكن تزويره للحقائق، أسقط ورقة التوت التي يحاول فيها أن يستر مواقفه.
لقد حاول من خلال الرد الموتور على خطاب نصر الله، شحن وتجييش مشاعر اللبنانيين ضد حزب الله، من خلال إظهار حرصه وتعاطفه مع الجيش في مواجهة القتلة. لكن العمى السياسي الذي يخيم على تلك العقلية، المسكونة بالارتباط بالخارج، المعادي للوطن السيد الحر، جعلته لايستطيع قراءة مواقف قائد حزب الله الواضحة (أن الجيش خط أحمر ولا يجوز المسّ به، ومن قتل ضباطاً وأفراداً في الجيش يجب أن يحاكم وتتوافر له محاكمة عادلة ولا يجوز أن يتسامح معه. لكن في الوقت نفسه المخيم خط أحمر. لا يمكن أن نكون شركاء في تغطية حرب مخيمات لا نعرف إلى أين توصلنا) ورأى سماحته (أن أي قرار بالدخول إلى مخيم نهر البارد هو تضحية بالجيش اللبناني وبالشعب الفلسطيني وبلبنان، وهذا ليس دفاعاً عن مجموعة «فتح الإسلام»). لقد قرأ «وليد»هذا الموقف الوطني والمسؤول، بعيون مصابة بـالحَول وبعقل تستوطن فيه كل الانحرافات السياسية. يتكلم بمؤتمره (يأتينا السيد نصر الله ليقول إن الجيش خط أحمر لكن المخيم خط أحمر، أي انه يوازي بين القتلة وبين المؤسسة الأم). لم يخجل وليد من تزوير الكلام المعلن، لكنه عَبّر وبشكل حاقد وموتور عن ضرورة التعامل مع المخيم كمكان للقتلة. بينما كان كلام السيد نصر الله واضحاً وحاسماً ودقيقاً: المخيم بلاجئيه وفصائله ورمزيته المكانية المؤقتة، هو الخط الأحمر. أما المجرمون الذين نفذوا العمليات الوحشية ضد الجيش، فجزاؤهم القصاص أمام القضاء العادل.
لكن اللافت للنظر، كانت تلك المقارنة، وذلك التقييم العجائبي، لدور القائد في معركة تحرير الأرض والإنسان، ووضعية الفرد /الأداة المرتبط بمخططات العدو. لندقق في بعض ماقاله في المؤتمر (كان من المعيب أن هناك أناسا في مرحلة معينة يظهرون أنهم قادة، ثم الظروف تجعلهم أدوات) مضيفاً (اليوم حجّم نفسه تحجيماً هائلاً، وذهبت فرحة تحرير الـ2000... لا قيمة للاحتفال في تموز أو آب بعيد النصر. مع الأسف حجم نفسه ونزل إلى هذا المستوى). إن مكانة القائد لاتحددها رغبات أو ترهات بعض المرتبطين مع سفارات الأعداء، بل تصونها وترفع من شأنها، استمرارية هذا القائد بدوره الوطني الكفاحي، في قيادة حزبه وأنصاره وأبناء شعبه. إن ماحققه مقاتلو حزب الله على مدى أكثر من عقدين من الزمن، تشير إلى مأثرة وطنية بامتياز.
إن بعض المسكونين بداء الزعامة (كيف جاءتهم، وعلى مَنْ ؟) يحاولون الاستقواء بالخارج، لأجل بقاء تلك الحالة «المتفردة» بالموقع. ولهذا فإنهم هم من يصبحون أداة لا أكثر، جاهزة لتنفيذ كل المهام القذرة ضد أبناء الوطن، وضد القضية الوطنية. إن العديدين ممن عاشوا عقدة المركز الأول وهم يراهنون على الخارج المعادي، ليحميهم ويدعم ديمومتهم الشكلية، يتحولون بإرادة ذاتية واعية لمصيرها، لأدوات جاهزة لتنفيذ مخطط العدو، شريطة البقاء في «الزعامة». إنهم وبدون مواربة أو لعب بالكلمات، عبيد وأقزام في خدمة «السيد» الأمريكي/ الصهيوني.