العراق: ثلاثية التفتيت، والنهب، والأطماع
أصدرت هيئة علماء المسلمين في العراق يوم الأربعاء 4-7-2007 فتوى تحرم موافقة الحكومة العراقية على مشروع قانون النفط والغاز, فيما ظهرت بوادر «شكاوى» في شمال العراق تقول إن الحكومة المحلية هناك «لم تطلع بعد على مسودة القانون».
واعتبرت الهيئة أن «موافقة أعضاء مجلس الوزراء على هذا القانون هو إجراء محرم وباطل عقداً ويستوجب فعله الخضوع للمساءلة والمحاسبة».
وجاء هذا الموقف غداة موافقة حكومة نوري المالكي على «النسخة الأخيرة» للمشروع ورفعه إلى مجلس النواب لمناقشته في وقت قريب قبل إقراره بصيغته النهائية. ويحدد القانون من يسيطر على ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم ويهدف لتوفير إطار قانوني لـ«جذب الاستثمارات الأجنبية وتأسيس شركة جديدة تابعة للدولة للإشراف على قطاع النفط».
وأكدت الهيئة التي ترفض المشاركة في العملية السياسية في عراق ما تحت الاحتلال الأنغلو-أمريكي أن المشروع «يأتي في سياق صفقات مع المحتل يبرمها الساسة الذين جاؤوا معه ومن شأنها هدر أكبر ثروة بشهادة خبراء نفط عراقيين أكدوا أن القانون الحالي فيه هدر وتمكين لشركات الدول المحتلة من الهيمنة على الثروة».
من ناحية أخرى, قال رئيس المكتب الإعلامي بـ«البرلمان» العراقي إن بدء البرلمان في دراسة مشروع قانون النفط المعدل قد يحتاج أسبوعاً، لأنه يتعين أولاً عرض القانون على لجنة الطاقة والنفط، علماً بأن الولايات المتحدة وسلطات الاحتلال في العراق ضغطت على البرلمان طيلة الفترة الماضية لإلغاء عطلته الصيفية أو تقليصها على الأقل من أجل تمرير سلسلة قوانين وتشريعات من بينها هذا القانون المذكور الذي يقونن نهب ثروة العراق النفطية التي تسيطر عليها واشنطن حالياً بقوة بساطير الاحتلال العسكري المباشر، بما يغيّب أي إمكانية لكشف مكامن النهب والتهريب فيه، في وقت طالت فيه سابقاً الفضائح في العراق العقود النفطية التي تم منحها للشركات الأمريكية، وفي مقدمتها هاليبرتون المرتبطة بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني.
وفي بادرة على احتمال أن يواجه مشروع القانون «عقبات» ما, قالت الحكومة المحلية في منطقة كردستان بشمال العراق إن «بعض ملاحق مشروع القانون غير دستورية لأنها تنزع السيطرة على حقول نفطية من الحكومات الإقليمية وتضعها تحت سيطرة شركات النفط الجديدة».
وبينما يأتي إقرار قانون النفط الجديد استكمالاً للنفخ في الانقسامات العراقية ما بعد الاحتلال، وفي الدستور الذي أقر في ظله من أجل تفتيت العراق، فقد تزامن مع التطورات العسكرية التي تشهدها الحدود الشمالية للعراق مع تركيا ضمن سياق التفتيت ذاته، مع الأخذ بعين الاعتبار مطامع تركيا في شمال العراق وصولاً إلى كركوك من جهة، ورغبة أكراد العراق في ضم حتى الموصل، من جهة ثانية، مع بقاء الطرفين المتحاربين، كل على حده، مرتبطاً بواشنطن التي تمسك بخيوط اللعبة لإيصالها لمواصيلها، حسب مصالحها هي، بالتوقيت المناسب لها.
فقد حذر الجنرال الأمريكي بيري ويغينز مساعد مدير عمليات القوات في قيادة أركان الجيوش الأميركية تركيا من التوغل شمال العراق لتعقب مسلحي حزب العمال الكردستاني، الذي تقول أنقرة إنهم يتخذون من أراضي العراق قاعدة انطلاق لتنفيذ هجمات في مناطق تركية جنوب شرق إقليم الأناضول وأنهم لم يكن ليقوموا بذلك دون ضوء اخضر أمريكي، في حين يدرك أكراد العراق أن أي تحرك عسكري تركي باتجاههم لن يكون إلا بضوء أمريكي مماثل.
وبالتالي فإن واشنطن التي منعت «حكومة كردستان» من إعلانات «أحادية الجانب» في أكثر من مناسبة سابقاً، وعلى لسان أكثر من مسؤول أمريكي، بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ذاتها، لا تزال تمنع تركيا من الدخول إلى الأراضي العراقية، وسط تململ واستياء الأخيرة، ليس حباً في العراق، وإنما خشية من تؤدي خطوة كهذه إلى تهديد كل ما حاولت واشنطن «بنائه» من خراب وتقسيم في العراق حتى الآن، ضمن مشروعها في المنطقة. إذ أن دخول الأتراك سيشعل فتيلاً تريده واشنطن ولكن ليس الآن، لأنه سيقلب الأكراد عليها وعلى قواتها المنتشرة في العراق بما فيه شمالاً، وسيضع زعاماتهم، بمن فيهم «الرئيس» العراقي جلال طالباني، أمام موقف حرج وهو إما الاستمرار بالتبعية للولايات المتحدة، أو الرضوخ للقاعدة الحزبية والشعبية الكردية العراقية، التي ستخذلها واشنطن مرة أخرى. وللتطورات بقية تأتي..